للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِلَّا قَلِيلًا) استثناء منقطع، معناه: ولكن قليلاً ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد، وسائرهم تاركون للنهى. و"مِنَ" في (مِمَّنْ أَنْجَيْنا) حقها أن تكون للبيان لا للتبعيض، لأن النجاة إنما هي للناهين وحدهم، بدليل قوله تعالى (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأعراف: ١٦٥].

فإن قلت: هل لوقوع هذا الاستثناء متصلا وجه يحمل عليه؟ قلت: إن جعلته متصلاً على ما عليه ظاهر الكلام، كان المعنى فاسداً، لأنه يكون تخصيصاً لأولي البقية على النهي عن الفساد، إلا للقليل من الناجين منهم كما تقول:

هلا قرأ قومك القرآن إلا الصلحاء منهم، تريد استثناء الصلحاء من المحضضين على قراءة القرآن وإن قلت في تحضيضهم على النهي عن الفساد معنى نفيه عنهم، فكأنه قيل: ما كان من القرون أولو بقية إلا قليلاً، كان استثناء متصلاً ومعنى صحيحاً، وكان انتصابه على أصل الاستثناء، وإن كان الأفصح أن يرفع على البدل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله:"من"- في (مِمَّنْ أَنْجَيْنَا) - حقها أن تكون للبيان لا للتبعيض): وذلك أن البيان والمبين شيء واحد، كقوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ) [الحج: ٣٠]، فالقليل إذن هم الناجون، ولهذا علله بقوله: "لأن النجاة إنما هي للناهين وحدهم"، أي: دون غيرهم، وأما إذا حمل "من" على التبعيض كان (مِمَّنْ أَنْجَيْنَا) بدلاً من (قَلِيلاً)، فيلزم أن يكون الناهون بعض الناجين، وهو فاسد.

قوله: (على ما عليه ظاهر الكلام): واعلم أن حروف التحضيض تفيد مع الماضي معنى التنديم، ومع المضارع تتخلص للتحضيض، فإذا حمل على ظاهره في هذا المقام، كما يقال: ليتهم كانوا ينهون عن الفساد إلا قليلاً منهم فإنهم لم ينهوا، فسد المعنى، وأما إذا جعل كلمة التحضيض للإنكار لتولد معنى النفي، كما يقال: ما كان أولو بقية إلا قليلاً، صح المعنى واستقام، لكن المختار الرفع في "قليل"، ومن ثم قال: "وإن كان الأفصح أن يرفع على البدل".

<<  <  ج: ص:  >  >>