وإيذاناً بأن إهلاك المصلحين من الظلم. وقيل: الظلم الشرك، ومعناه: أنه لا يهلك القرى بسبب شرك أهلها وهم مصلحون يتعاطون الحق فيما بينهم ولا يضمون إلى شركهم فساداً آخر.
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) يعني لاضطرهم إلى أن يكونوا أهل أمّةٍ واحدة أي: ملة واحدة وهي ملة الإسلام، كقوله (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً)[الأنبياء: ٩٢]، وهذا الكلام يتضمن نفي الاضطرار، وأنه لم يضطرهم إلى الاتفاق على دين الحق، ولكنه مكنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف، فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل، فاختلفوا، فلذلك قال (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) إلا ناساً هداهم الله ولطف بهم، فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه.
قوله:(يتعاطون الحق فيما بينهم، ولا يضمون إلى شركهم فساداً): قال القاضي: "ذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه، ومن ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد، وقيل: الملك يبقى مع الكفر، ولا يبقى مع الظلم".
قوله:(فلذلك قال: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)): أي: فلأجل أن الكلام يتضمن نفي الاضطرار، وأنه تعالى لم يضطرهم إلى الاتفاق، بل جعلهم متمكنين من الاختيار، قال:(وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) يشير إلى أن المراد بالمشيئة في قوله: (وَلَوْ شَاءَ) مشيئة القسر والإلجاء.
والسني يحمل هذه الآية على معنى قوله:(وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)[السجدة: ١٣]، ويقول: لو تعلقت