فإن صح هذا عن ابن عباس، فقد أراد بالظنّ: ما يخطر بالبال ويهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية. وأمّا الظن الذي هو ترجح أحد الجائزين على الآخر، فغير جائز على رجل من المسلمين، فما بال رسل الله الذين هم أعرف الناس بربهم، وأنه متعال عن خلف الميعاد، منزه عن كل قبيح؟ !
وقيل: وظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوا، أي: أخلفوا. أو: وظنّ المرسل إليهم أنهم كذبوا من جهة الرسل، أي: كذبتهم الرسل في أنهم ينصرون عليهم ولم يصدّقوهم فيه.
قوله:(فإن صح)، قلت: ما أصحه! وقد رواه البخاري في "صحيحه" في رواية ابن أبي مليكة: "قرأ ابن عباس: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) - خفيفة- قال: ذهب بها هنالك، ثم تلا:(حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ) الآية، قال: فلقيت عروة بن الزبير، فذكرت ذلك له، فقال: قالت عائشة رضي الله عنها: معاذ الله! والله ما وعد الله رسوله من شيء إلا علم أنه كائن قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرسل، حتى خافوا أن يكون من معهم من قومهم يكذبونهم. وكانت تقرؤها:(أنهم قد كذبوا) - مثقلة-".
قوله:(أو: وظن المرسل إليهم أنهم قد كذبوا من جهة الرسل)، يريد: أن الرسل كانوا وعدوهم بنزول العذاب، ثم إنهم إن كانوا معاندين: فوجه الظن ظاهر، وإن لم يكونوا معاندين فكذلك، لأنهم لابد من أن يشاهدوا من الرسل أمارات تدل على صدقهم في الحديث.
يؤيده ما روينا عن البخاري ومسلم عن ابن عباس: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال