قليلا لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل؛ لأنّ العقلاء يتحرّزون من التعرّض للغم المظنون، كما يتحرّزون من المتيقن ومن القليل منه، كما من الكثير، وكذلك المعنى في الآية: لو كانوا يودّون الإسلام مرة واحدة، فبالحري أن يسارعوا إليه، فكيف وهم يودّونه في كل ساعة (لوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) حكاية ودادتهم، وإنما جيء بها على لفظ الغيبة؛ لأنهم مخبر عنهم، كقولك: حلف بالله ليفعلنّ. ولو قيل: حلف بالله لأفعلنّ، ولو كنا مسلمين؛ لكان حسناً سديداً، وقيل: تدهشهم أهوال ذلك اليوم فيبقون
قوله:(فبالحرى أن يسارعوا): قيل: "أن يسارعوا": مبتدأ، و"بالحري": خبره، وهو مصدر، والباء غير زائدة، أي: المسارعة ثابتة بالحري، وإذا جُعل صفة مشبهة، فالباء زائدة، وبالحري: مبتدأ، و"أن يُسارعوا": الخبر، كقولك: بحسبك زيدٌ، وقلت: جواب لو محذوف، والفاء في فبالحري جواب لشرط محذوف، يعني: لو كانوا يودون الإسلام مرة واحدة لكان الواجب المسارعة إليه، وإذا كان كذلك فبالحري أن يسارعوا غليه، فكيف وهم يودونه في كل ساعة؟ ويجوز أن يكون جواباً لـ "لو"، لمعنى الشرطية فيها، وجاء في "البقرة" في قصة المنافقين أن قولهم هذا لو صدر عنهم لا على وجه النفاق، وعقيدتهم عقيدتهم فهو كفر.
قوله:(وإنما جيء بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم)، قال صاحب "الفرائد": لابُد لقوله (يَوَدُّ) من مفعول، فـ"لَو" مع ما بعده نُزل منزلته، كأنه قيل:(رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ما يلازم لو كانوا مسلمين، [وهو الخلاص من النار ودخول الجنة، ولو قيل: لو كنا مسلمين لكان التقدير: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الإسلام قائلين: لو كنا مسلمين] لما ابتلينا بالنار ولدخلنا الجنة، فظهر من هذا أن الغيبة أولى بالذكر، لأنها أقل احوجاجاً إلى التقدير.
وقلت: ولهذا قدمه المصنفُ على الثاني، وقال:"ولو قيل: لكان كذا، لكان سديداً".
قوله:(وقيل: تدهشهم) جواب آخر للسؤال معطوف على قوله: "هو وارد"، ورُب حينئذ: للتقليل حقيقة.