مبهوتين، فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات من سكوتهم تمنوا، فلذلك قلل (ذَرْهُمْ) يعنى اقطع طمعك من ارعوائهم، ودعهم عن النهى عما هم عليه والصدّ عنه بالتذكرة والنصيحة، وخلهم (يَاكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا بدنياهم) وتنفيذ شهواتهم، ويشغلهم أملهم وتوقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال، وأن لا يلقوا في العاقبة إلا خيراً (فَسَوْفَ يَعْلَمُون) سوء صنيعهم.
والغرض الإيذان بأنهم من أهل الخذلان، وأنهم لا يجيء منهم إلا ما هم فيه، وأنه لا زاجر لهم ولا واعظ إلا معاينة ما ينذرون به حين لا ينفعهم الوعظ، ولا سبيل إلى اتعاظهم قبل ذلك، فأمر رسوله بأن يخليهم وشأنهم ولا يشتغل بما لا طائل تحته، وأن يبالغ في تخليتهم حتى يأمرهم بما لا يزيدهم إلا ندماً في العاقبة.
قوله:(من ارعوائهم)، النهاية: لا يرعوي: أي لا ينكف ولا ينزجر عن القبيح.
قوله:(وأن لا يلقوا) عطف على سبيل البيان على قوله: "لطول الأعمار واستقامة الأحوال"، أي: خلهم يشغلهم توقعهم أن لا يلقوا في العاقبة إلا خيراً.
قوله:(حين لا ينفعهم): ظرف لقوله: "معاينة".
قوله:(فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) مسبب عن قوله: "والغرض" أي: الغرض من إيراد قوله: (ذَرْهُمْ يَاكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ) الإعلام بأنهم من أهل الخذلان على سبيل الكناية، لا حقيقة الأمر، فأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخليهم لذلك الغرض، كما أن الأمر في قوله:(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)[الكهف: ٢٩] لطلب الكفر ظاهراً، والغرض منه التهديد والوعيد.
قوله:(وأن يبالغ في تخليتهم حتى يأمرهم بما لا يزيدهم إلا ندماً)، فإن قلت: ليس