كما في قوله تعالى (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال في الحال: جاءني زيد عليه ثوب، وجاءني وعليه ثوب.
لشدة اتصالها به، كما في قوله تعالى:(وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ)[الشعراء: ٢٠٨]، لكن لما افترق الحكم بينهما اختصت هذه بها، فإن لصوق الصفة فيما نحن فيه أشد من لصوقها في قوله:(وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ)، فإن إهلاك قرية من القرى لكون أجلها مقدراً لا ينفك عن قضائه وقدره، بخلاف إهلاكها عن إنذار منذر، فإنه قد ينفك عنه، قال تعالى:(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً)[الإسراء: ٥٨].
قوله:(كما يقالُ في الحال)، يعني: هذه الواو الداخلة بين الصفة والموصوف كالواو الداخلة بين الحال وصاحبها، فكما أن معنى الحالية لا يتغير إذا قلت: جاءني زيدٌ عليه ثوب، وجاءني زيدٌ وعليه ثوب، كذلك هاهنا. وأيضاً، كما أن الواو هناك لمجرد الربط، فكذلك هاهنا، وذلك أن الأصل في الجملة إذا وقعت موقع الحال أن لا تدخلها الواو لفوات المغايرة؛ لأن حم الحال مع صاحبها حكم اخبر مع المخبر عنه، والخبر ليس موضعاً لدخول الواو، وإنما تدخل لمجرد الربط، لاسيما إذا كانت جملة اسمية فإنها أشد افتقاراً إلى الربط، فحكم الصفة كذلك، ويؤيده قول أبي البقاء: وساغ دخول الواو لما كانت صورة الجملة هاهنا كصورتها إذا كانت حالاً.
وقال صاحب "التقريب": في قول المصنف نظر؛ لأن توسيط العاطف بين الصفات معهود لا بين الصفة والموصوف، والحال ليس وزانها وزان الصفة، إذ حقها الواو، وقد تُحذفن وإنما لم يجعله حالاً لتنكير ذي الحال، وهو (قرية)، وجاز أن يُقال: عمومها يصحح كونها ذا الحال، كما في المبتد، نحو: ما أحد خير منك، وهو تبع صاحب "المفتاح"، حيث