قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة ضئيلة؛ وهي القرآن العظيم؛ فعليك أن تستغني به، ولا تمدّن عينيك إلى متاع الدنيا. ومنه الحديث "ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن"، وحديث أبى بكر "من أوتى القرآن فرأى أن أحداً أوتى من الدنيا أفضل مما أوتى، فقد صغر عظيما وعظم صغيراً". وقيل: وافت من بُصرى
أي: أقرانهم المقتدين بهم في أفعالهم، قال تعالى:(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ)[الحجر: ٨٨]، أي: أشباهاً وأقراناً.
قوله:(ليس منا من لم يتغن بالقرآن)، قلت: هذا لا يصلح للاستشهاد، لما رويناه عن أبي داود، عن أبي لبابة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، قال: فقلت لابن أبي مُليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع. النهاية: ويشهد له الحديث الآخر: "زينوا القرآن بأصواتكم"، وكل من رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء.
قال في "الانتصاف": حمل كثير من العلماء الحديث على الغناء وقالوا: يُغني يبنى من الغناء الممدود، لا من الغنى المقصور، وإن فعله استغنى خاصة، وقد وجدتُ بناء "تغنى" من الغنى المقصور، ففي الحديث الصحيح:"وأما التي هي له ستر فرجل ربطها تغنياً وتعففاً"، وإنما هو من الغنى المقصور، وهو مصدر "تغنى"، فدل على جواز استعماله في البناءين جميعاً.
قال الجوهري: الغناء بالكسر: من السماع، والمقصور: اليسار، أي: استغنى وأغناه الله.