للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منا فإنه ساحر، ويقول الآخر: كذاب، والآخر: شاعر، فأهلكهم الله يوم بدر وقبله بآفات، كالوليد بن المغيرة،

والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب وغيرهم، أو مثل ما أنزلنا على الرهط الذين تقاسموا على أن يبيتوا صالحاً عليه السلام، والاقتسام بمعنى التقاسم. فإن قلت: إذا علقت قوله: (كَما أَنْزَلْنا) بقوله: (وَلَقَدْ آتَيْناكَ)] الحجر: ٨٧ [، فما معنى توسط (لا تَمُدَّنَّ)] الحجر: ٨٨ [إلى آخره، بينهما؟ قلت: لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم وعداوتهم، اعترض بما هو مدد لمعنى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (على أن يبيتوا صالحاً)، وذلك في قوله تعالى: (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) [النمل: ٤٩]، والقصة مذكورة في تفسير هذه الآية.

قوله: (لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: لما كان تشبيه إنزال السبع المثاني بإنزال الكتابين على المقتسمين من اليهود والنصارى على ما سبق تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قوله: (لا تَمُدَّنَّ) الآية تسلية مثلها، فلم يكن اعتراضاً تاماً، قال: "اعترض بما هو مددٌ لمعنى التسلية"؛ لأن الجملة المعترضة مؤكدة لمضمون المعترض فيه، وهذا مؤكد للازمه، وذلك أن التسلية إنما يصار إليها إذا وجد الحزن والكآبة من الشخص مما لا يلائمه، فكما يحصل ذلك من جهة المستهزئين الذين يجعلون القرآن عضين، كذلك يحصل من جهة الالتفات إلى ما مُتع به الكفار من زهرة الحياة الدنيا، وكما يُشغله الأول من أن يُقبل بمجامعه على المؤمنين كذلك الثاني، وإليه أشار بقوله: "ومن الأمر بأن يُقبل بمجامعه على المؤمنين". ويمكن أن يدخُل ذلك في حيز التشبيه، وأن يُقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) ونهيناك عن أن تمد عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم، كذلك أنزلنا على أهل الكتاب الكتابين المعظمين، وقلنا لهم: (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً)، فلا تكن مثلهم حيث أخلدوا إلى الأرض، ومالوا إلى حُطام الدنيا وزخرفها، وحرفوهما فآمنوا ببعض وكفروا ببعض. وهذا الوجه أحسن؛ لأن التشبيه تمثيلي، وكلما كان أكثر تفصيلاً كان أدخل في الحسن، وعلى هذا لا يكون تسلية، بل يكون من باب الإلهاب والتهييج، كقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>