للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم، وقولهم سحر وشعر وأساطير، بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم.

والثاني: أن يتعلق بقوله: (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) [الحجر: ٨٩]، أي: وأنذر قريشاً مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين، يعنى اليهود، وهو ما جرى على قريظة والنضير، جعل المتوقع بمنزلة الواقع، وهو من الإعجاز، لأنه إخبار بما سيكون وقد كان. ويجوز أن يكون (الذين جعلوا القرآن عضين) منصوباً (بالنذير)، أي: أنذر المعضين الذين يجزءون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير، مثل ما أنزلنا على المقتسمين؛ وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم، فقعدوا في كل مدخل متفرّقين؛ لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول بعضهم: لا تغتروا بالخارج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، أجاب عن السؤال بوجهين: أحدهما: أن يتعلق (كَمَا أَنْزَلْنَا) بقوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً) والمقتسمون: اليهود والنصارى، وهم غما اقتسموا القرآن أجزاء استهزاء واقتسموا كتبهم تحريفاً فأقروا ببعض، وكذبوا ببعض، ومكان التسلية هذا الثاني، وذلك أن قريشاً لما جزأوا القرآن إلى سحر وشعر وأساطير، قيل له صلى الله عليه وسلم: لا تحزن، ولا يكن في صدرك حرجٌ، وللقرآن أسوة بالتوراة والإنجيل، وإليه الإشارة بقوله: "وهذه تسلية" بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم بالقرآن بعنادهم وعداوتهم.

قوله: (ويجوز أن يكون (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) منصوباً بـ (النَّذِيرُ) عطفٌ على قوله "وهم المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين" لأنه على ذلك التقدير مجرور: صفة للمقتسمين، وعلى الأول النذير مطلق في المنذر والمنذر به، وعلى هذا المنذر: الذين جعلوا القرآن عضين، والمنذر به (كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) وإليه الإشارة بقوله: "أنذر المعضين" وهو بفتح العين: جمع معض: اسم فاعل من: عضى الشاة؛ إذا جزأها.

<<  <  ج: ص:  >  >>