ويمكن أن يُقال: إن قوله: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ) لما كان حكماً مرتباً على قوله: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) وفيه إرشاد إلى إزالة ذلك الضيق الذي هو نتيجة القلق والاضطراب لأجل النظر إلى الغير في ضيق عالم الشهادة بالأخذ بالتسبيح والعبادة المؤدي إلى حصول ثلج اليقين، وانشراح الصدر بسبب النظر إلى فُسحة عالم الغيب، وأن الكائنات تابعة لمراد الله ومقتضى مشيئته وحكمته، استقام إجراء اليقين على حقيقته، أي: اعبد ربك لكي يتحقق لك ذلك، فيزول عنك ذلك، وإلى هذا المعنى ينظر قوله:(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)[البقرة: ٤٥]: انقطاعاً إليه واعتماداً عليه، (حَتَّى يَاتِيَكَ الْيَقِينُ) بأن الأمر كله إلى الله، وهو متولي إضلال من ضل وهداية من هدى، وعن الواسطي:(حَتَّى يَاتِيَكَ الْيَقِينُ) أنه لا غله يسوق إليك المكاره ويصرفها عنك إلا الله، ولا إله يسوق إليك المحاب ويصرفها عنك إلا هو.
وبهذا انكشف أن عبادة الله هي العمدة العظمى، والمقصد الأقصى، وبها تُنال الدرجات العُليا، ولو أن أحداً استغنى عنها لكان أفضل الخلق أولى وأحرى، وكيف لا وما شرُف بما شرف به في أشرف مقاماته إلا بتشريف:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً)[الإسراء: ١]؟