وقيل بختنصر. وعن ابن عباس: جالوت. قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة، وخربوا المسجد، وسبوا منهم سبعين ألفًا. فإن قلت: كيف جاز أن يبعث الله الكفرة على ذلك ويسلطهم عليه. قلت: معناه: خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم، على أنّ الله عزّ وعلا أسند بعث الكفرة عليهم إلى نفسه، فهو كقوله تعالى:(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)] الأنعام: ١٢٩ [وكقول الداعي. وخالف بين كلمهم. وأسند الجوس وهو التردّد خلال الديار بالفساد إليهم، فتخريب المسجد وإحراق التوراة
قوله:(معناه: خلينا بينهم وبين ما فعلوا)، يعني: معنى تسليط الكفرة على ذلك، أي: قتل العلماء وإحراق التوراة وتخريب المسجد والسبي. الانتصاف: السؤال يتوجه على القدرية، وأما السني فيقول:(لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ)[الأنبياء: ٢٣].
قوله:(على أن الله عز وعلا أسند بعث الكفرة عليهم)، يعني أن البعث مجازٌ، على أن الحقيقة جائزة أيضاً؛ لأن الله تعالى أسند بعث الكفرة عليهم إلى نفسه؛ لأنهم ظلموا بقتل زكريا ويحيى، وقصد قتل عيسى عليه السلام، فهو كقوله تعالى:(وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأنعام: ١٢٩].
قوله:(وكقول الداعي: وخالف بين كلمهم)، يعني: مثلُ هذا الإسناد جائزٌ بل مندوبٌ إليه، يقولون في الدعاء على الكفرة: اللهم زلزل أقدامهم ونكس أعلامهم، وخالف بين كلمتهم، وهو من قوله تعالى:(وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى)[التوبة: ٤٠]، وكلمتهم: دعوتهم إلى الكفر واتفاقهم عليه.
قوله:(وأسند الجوس)، إلى آخره، مراده: أنه تعالى أسند إلى نفسه ما يصح أن يُسند إليه من بعث الكفرة عليهم؛ لأجل فسادهم، وأسند ما لا يصح أن يُسند إليه من الكفرة من تخريب المسجد وإحراق التوراة. فيقال له: لولا بعثه وتمكينه إياهم كيف قدروا على ذلك؟ فهو كإعطاء سيف باتٍ ظالماً يقطع الطريق ويسبي الحريم، فوقع فيما فر منه.