وحياً مقضياً، أي: مقطوعاً مبتوتًا بأنهم يفسدون في الأرض لا محالة، ويعلون، أي: يتعظمون ويبغون. (فِي الْكِتَبِ) في التوراة، و (لَتُفْسِدُنَّ) جواب قسم محذوف. ويجوز أن يجرى القضاء المبتوت مجرى القسم، فيكون (لَتُفْسِدُنَّ) جواباً له، كأنه قال: وأقسمنا لتفسدن. وقرئ: لَتُفْسَدُنّ، على البناء للمفعول. و (لَتَفْسُدُنَّ)، بفتح التاء من: فسد، (مَرَّتَيْنِ) أولاهما: قتل زكريا وحبس أرميا حين أنذرهم سخط الله، والآخرة: قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى ابن مريم. (عِبادًا لَنا) وقرئ: (عبيدًا لنا). وأكثر ما يقال: عباد الله وعَبِيدُ الناس: سَنْحَارِيبَ وجنودَه،
قوله:(وحياً مقضياً أي: مقطوعاً)، الراغب: القضاء: فصلُ الأمر قولاً كان أو فعلاً، وكل منهما على وجهين: إلهي وبشري، فمن القول الإلهي:(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ)، فهذا قضاء بالإعلام والفصل في الحكم، أي: أعلمناهم وأوحينا إليهم وحياً جزماً، ومن الفعل الإلهي:(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)[فصلت: ١٢]؛ لأنه إشارة إلى إيجاده الإبداعي والفراغ منه.
قوله: (وقرئ: "لتفسدن" على البناء للمفعول، و"لتفسدن" بفتح التاء؛ من: فسد)، قال أبو البقاء: المعنى على الأول: يُفسدكم غيركم، وعلى الثاني: تفسدُ أموركم.
قوله:(وأكثر ما يقالُ: عباد الله)، قال ابن جني: أكثر اللغة أن يُستعمل العبيد للناس والعباد لله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)[الحجر: ٤٢]، (يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)[الزمر: ١٦]، وهو كثير، وقال:(وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت: ٤٦].