عُمْيٌ) [البقرة: ١٨]، (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) يعنى: وكانوا صما عنه، إلا أنه أبلغ؛ لأنّ الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به، وهؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع.
(عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) هم الملائكة، يعنى: أنهم لا يكونون لهم أولياء، كما حكي عنهم:(سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ)[سبأ: ٤١]، وقرأ ابن مسعود:(أفظن الذين كفروا)، وقراءة على رضي الله عنه:(أفحسب الذين كفروا) أي: أفكافيهم ومحسبهم أن يتخذوهم أولياء، على الابتداء والخبر.
فأُطلق المسبب وأريد السبب، وكذلك الباصرة لا تُستعمل في الذكر إذا أريد به القرآن، بل تستعمل فيه البصيرة؛ ولذلك قال:"وتأمل معانيه وتبصرها"، فقوله:(بُكْم) مناسبٌ للتفسير الأول، و (عُمْيٌ) للثاني.
قوله:(كما حكى عنهم: (سُبْحَانَكَ)[سبأ: ٤١])، وجه المشابهة بين الآيتين هو أن قوله:(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ) إنكارٌ لحسبانهم فيما عبدوا الملائكة، جعلوها شفعاء لأنفسهم، وأنهم يوالونهم عند الحقيقة، وأن هذا الإنكار واقعٌ عند الحشر، لقوله تعالى:(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً) إلى قوله: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، كما أن قوله:(سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ)[سبأ: ٤١] تخييبٌ من الملائكة فيما زعم الكفارُ أنهم ينصرونهم ويشفعون لهم بعد الحشر، لقوله تعالى:(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ)[سبأ: ٤٠].