كان على منهاج واحد: في أنّ الله غنى عن الأسباب. أي: بلغت عتيا: وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام كالعود القاحل. يقال: عتا العود وعسا من أجل الكبر والطعن في السن العالية. أو: بلغت من مدارج الكبر ومراتبه ما يسمى عتيا.
الذي يرى صاحبه وقد وهب الكثير الخطير فيقول: أنى سمحت نفسك بإخراج مثل هذا؟ تعظيماً للموهوب، أو أن من شأن من فوجئ ببشارة ما يتمناه فرط السرور وفقد الاستثبات والذهول عن مقتضيات الفكر، كما قالت:(أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)[هود: ٧٢]، حتى قيل لها:(أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)[هود: ٧٣].
قوله:(كالعود القاحل)، الجوهري: قحل الشيء يقحل قحولاً: يبس فهو قاحلٌ.
قوله:(والطعن في السن العالية)، الأساس: ومن المجاز: خرج يطعن الليل: يسري فيه، وطعن في السن العالية.
قوله:(ما يسمى عتيا)، قيل:"مِن" هنا للتبعيض، حالٌ من "عتيا"، أي: بلغتُ عتياً حال كونه بعض مراتب الكبر، وعلى الأول: ابتدائية، أي: بلغت سناً عالية ابتداؤها جهة الكبر، وقوله:"من أجل الكبر" يشير به إلى أن "مِنْ" مثلها في قولك: جئتك من أجل إكرامك، أي: لأجل إكرامك، وتحقيقه أن "مِن": ابتدائية، و (مِنْ الْكِبَرِ): مفعولٌ له.
وقلتُ: ويمكن أن يكون "مِن" على الوجه الأخير: بيانية، هي مع المجرور: حالٌ من (عِتِيّاً) قُدمت لأن صاحبها نكرة. ولما كانت "مِنَ" البيانيةُ تجريدية قال: "ما يُسمى عتيا"، أي: انتزع من مدارج الكبر ومراتبه مرتبة تسمى عتيا، كقولك: لقيت منه أٍداً، يدل عليه قوله - في تفسير قوله:(هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)[الفرقان ٧٤]: " (مِن) يحتملُ أن تكون بيانية، كانه قيل هب لنا قُرة أعين، ثم بينت القرة بقوله:(مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا)[الفرقان: ٧٤]، وهو من قولهم: رأيت منك أسداً، وعلى الوجه الآخر: ابتدائية"، ولما كان معنى الابتداء الإنشاء قال:"من أجل الكبر"، يدُل عليه قوله-