لبأت بالحج، وحلأت السويق، وذلك لتآخ بين الهمزة وحرف اللين في الإبدال. (صَوْماً): صمتا. وفي مصحف عبد الله:(صمتاً). وعن أنس بن مالك مثله. وقيل: صياماً، إلا أنهم كانوا لا يتكلمون في صيامهم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الصمت، لأنه نسخ في أمته، أمرها الله بأن تنذر الصوم لئلا تشرع مع البشر المُتَّهمين لها في الكلام لمعنيين، أحدهما: أن عيسى صلوات الله عليه يكفيها الكلام بما يبرئ به ساحتها. والثاني: كراهة مجادلة السفهاء ومناقلتهم. وفيه أن السكوت عن السفيه واجب. ومن أذل الناس: سفيه لم يجد مسافها. قيل: أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة. وقيل: سوغ لها ذلك بالنطق (إِنْسِيًّا) أى: أكلم الملائكة دون الإنس.
قوله:(لبأت بالحج) أصله: لبيت تلبيةً، ثم أبدل التضعيف بالياء ثم أبدل الياء بالهمزة، وحلأت، أي: لطت بالشيء الحلو، وأصله حلوته، قلبت الواو ياءً، ثم أبدل الياء بالهمز.
قوله:(وقيل: صياماً) هو عطفٌ على قوله: (((صَوْمًا): صمتاً))، يعني:(صَوْمًا)، إما مجازٌ عن: صمتاً، بقرينة ترتب:(فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إنسِيًا)، أو هو على حقيقته، وأما معنى ترتب (فَلَنْ أُكَلِّمَ) عليه، فإنهم كما كانوا يمسكون عن الطعام والشراب، كانوا يمسكون عن الكلام أيضاً.
قوله:(وفيه أن السكوت عن السفيه واجبٌ)، يريد: أن هذا المعنى مدمجٌ في الآية.
وقوله:(من أذل الناس: سفيهٌ لم يجد مسافهاً)، ينظر إلى قول أبي الطيب:
وأتعب من ناداك من لا تجيبه … وأغيظ من عاداك من لا تشاكله
قوله:(أي: أكلم الملائكة دون الإنس) يعني: عدل من قوله: فلن أكلم اليوم أحداً، إلى: إنسياًّ، ليفيد- بدلالة المفهوم- هذه الدقيقة، ويدمج فيه معنى كرامةٍ أخرى، وهي رفعة منزلتها.