أو نصبه بفعل في معنى: أوصانى، وهو كلفنى، لأن أوصانى بالصلاة وكلفنيها واحد (وَالسَّلامُ عَلَيَّ) قيل: أدخل لام التعريف لتعرفه بالذكر قبله، كقولك: جاءنا رجل، فكان من فعل الرجل كذا. والمعنى: ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلىّ. والصحيح: أن يكون هذا التعريف تعريضا باللعنة على متهمى مريم عليها
قوله:(أو نصبه بفعلٍ) عطفٌ على قوله: ((جعل ذاته براًّ))، يعني: جعل أبو نهيكٍ (وبَرًا) منصوباً بقوله: (وجَعَلَنِي) وعطفه على: (مُّبَارَكًا) أو نصبه بفعلٍ مضمرٍ، كأنه قيل: وكلفني براًّ بوالدتي.
قوله:(والصحيح أن يكون هذا التعريف تعريضاً باللعنة)، يؤذن أن التعريف السابق غير صحيح، قيل: لأن التعريف في العهد الخارجي إشارةٌ إلى ذلك الشخص المعير المتوجه إلى يحيى عليه السلام، ويستحيل أن يتوجه ذلك السلام بعينه إلى عيسى عليه السلام.
وقلت: يحمل على التشبيه ليصح كقوله تعالى: (هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ)[البقرة: ٢٥]، وليس ذات الحاضر عندهم في الجنة هي ذات المرزوق في الدنيا، ومعناه: هذا مثل الذي رزقنا من قبل وشبهه، كأنه عليه السلام سأل ربه أن يفعل به مثل ما فعل بيحيى عليه السلام من السلامة في سائر أحواله، قاله الأزهري.
والسلام: مصدر سلمت سلاماً وسلامةً، وهو دعاء الإنسان بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه ويتخلص من المكروه، كذا عن المبرد. وهذا معنىً صحيحٌ لو أريد به مجرد الدعاء، لكن المانع شيءٌ آخر، وهو اقتضاء المقام التعريضي الجنس؛ لأن الكلام مع القوم ولم يجر بين عيسى وبين القوم حديث سلام الله على يحيى عليه السلام ليشير بذلك إليه، بل إن أمه الصديقة لما أشارت إليه، وقالوا: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًا* قَالَ إنِّي