بها للتوكيد لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان «٢». ويجوز أن يكون اعتراضا بين الشرط والجزاء، كقولك: من أحسن إلى زيد لا أحق بالإحسان منه، فالله مثيبه. وقرئ: أنه لا يفلح بفتح الهمزة. ومعناه: حسابه عدم الفلاح، والأصل: حسابه أنه لا يفلح هو، فوضع (الكافرون) موضع الضمير، لأنّ (مَنْ يَدْعُ) في معنى الجمع، وكذلك (حِسابُهُ … إِنَّهُ لا يُفْلِحُ) في معنى «حسابهم أنه لا
بقوله تعالى:(وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ)[الأنعام: ٣٨]، وليس بصفةٍ مخصصةٍ ليمتاز بها عن الآلهة التي يجوز أن يقوم عليها برهانٌ.
قوله:(اعتراضاً بين الشرط والجزاء)، وذلك أن معنى:(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) ومن يشرك بالله فالله يتولى عقابه، فإذا لا أحد أقل حيلةً منه، فحينئذٍ يحسن أن يكون قوله:(لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) توكيداً لمضمون الشرط والجزاء، وعكسه من أحسن إلى زيد فالله مثيبه، فإذاً لا أحد أحق بالإحسان منه.
قوله:(وكذلك (حسابه … إنه لا يفلح))، يعني: كما أن (وَمَنْ يَدْعُ) مفردُ اللفظ مجموع المعنى، فكذلك (حِسَابُهُ) مفرد اللفظ مجموع المعنى، والمشبه والمشبه به تعليلٌ لوضع (الْكَافِرُونَ) موضع الضمير المفرد، وإنما وجب الجمع؛ لأن الآية تذييلٌ للآيات الواردة في حق المعاندين المصرين. وأما الضمير في (إنهُ): فللشأن. وتلخيصه: أن من أشرك بالله وأصر عليه فإن عاقبته وخيمةٌ، ولا نجاح له البتة. هو تسليةٌ للرسول صلوات الله وسلامه عليه، ومن ثم قال ابن جني: معناه: أن حسابه يؤخر إلى أن يقلى ربه، فيُحاسب حينئذ. وذلك أنه لا تنفع فيه الموعظة، ولا التذكير في الدنيا، فيؤخر حسابه إلى أن يحاسب عند ربه، لعدم انتفاعه.
وقلت: إنما وضع (الْكَافِرُونَ) موضع الضمير المفرد بعد الإفراد في حسابه؛ للإشعار بأن عدم الفرح معللٌ بالكفر، أو لرعاية التوافق في الفواصل، وليتطابق أول السورة