قالوا: لأن سبب عقوبته محتملٌ للصدق والكذب، إلا أنه عوقب صيانةً للأعراض وردعاً عن هتكها. فإن قلت: فإذا لم يكن المقذوف محصناً؟ قلت: يعزر القاذف ولا يحد، إلا أن يكون المقذوف معروفاً بما قذف به، فلا حد ولا تعزير. رد شهادة القاذف معلق عند أبي حنيفة رحمه الله باستيفاء الحد، فإذا شهد قبل الحد أو قبل تمام استيفائه: قبلت شهادته، فإذا استوفى: لم يقبل شهادته أبداً وإن تاب وكان من الأبرار الأتقياء. وعند الشافعي: يتعلق رد شهادته بنفس القذف، فإذا تاب عن القذف بأن يرجع عنه: عاد مقبول الشهادة. وكلاهما متمسكٌ بالآية، فأبو حنيفة رحمه الله جعل جزاء الشرط- الذي هو الرمي- الجلد، ورد الشهادة عقيب الجلد على التأبيد، فكانوا مردودي الشهادة عنده في أيدهم، وهو مدة حياتهم، وجعل قوله:{وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} كلاماً مستأنفاً غير داخل في حيز جزاء الشرط، كأنه حكاية حال الرامين عند الله بعد
قوله:(صيانةً للأعراض)، العرض: النفس، صنت عرضي أي: نفسي، وفلانٌ نقي العرض، إذا كان بريئاً عما يقرف ويعاب به. وقيل: العرض: الحسب من مكارم [أخلاق] الرجل.
قوله:(أبداً)، الأبد: اسمٌ لزمانٍ طويلٍ انتهى أو لم ينته، يقال: أبدٌ أبيدٌ، كقولهم: دهرٌ داهر وساعةٌ سوعاء، أي: طويلة.
قوله:(كلاماً مستأنفاً)، أي: مبتدأ، كما قال ابن الحاجب في "شرح المفصل" في قوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} على معنى التشريك بينهما في عامل واحد، كأنك عطفت خبراً على خبر، أو على الابتداء بجملة معربةٍ إعراب نفسها غير مشتركٍ بينها وبين ما قبلها في عاملٍ واحد،