للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: كيف أسند السلك بصفة التكذيب إلى ذاته؟ قلت: أراد به الدلالة على تمكنه مكذبا في قلوبهم أشدّ التمكن، وأثبته فجعله بمنزلة أمر قد جبلوا عليه وفطروا. ألا ترى إلى قولهم: هو مجبول على الشح؟ يريدون: تمكن الشحّ فيه، لأنّ الأمور الخلقية أثبت من العارضة، والدليل عليه: أنه أسند ترك الإيمان به إليهم على عقبه؛ وهو قوله: (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ). فإن قلت: ما موقع (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) من قوله: (سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ)؟ قلت: موقعه منه موقع الموضح والملخص، لأنه مسوق لثباته مكذبا مجحودا في قلوبهم، فأتبع ما يقرّر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد. ويجوز أن يكون حالا، أى: سلكناه فيها غير مؤمن به. وقرأ الحسن: (فتأتِيهم) بالتاء يعني: الساعة. و (بَغَتةً) بالتحريك. وفي حرف أبىّ: (ويروه بغتة). فإن قلت: ما معنى التعقيب في قوله: (فَيَاتِيَهُمْ بَغْتَةً) (فَيَقُولُوا)؟ قلت: ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه في الوجود، وإنما المعنى ترتبها في الشدّة، كأنه قيل: لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم للعذاب فما هو أشدّ منها؛ وهو لحوقه بهم مفاجأة، فما هو أشدّ منه وهو سؤالهم النظرة. ومثال ذلك أن تقول لمن تعظه: إن أسات مقتك الصالحون فمقتك الله، فإنك لا تقصد بهذا الترتيب أنّ مقت الله يوجد عقيب مقت الصالحين، وإنما قصدك إلى ترتيب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (كيف أسند السلك بصفة التكذيب إلى ذاته؟ )، يعني: إذا رجع الضمير من قوله: {نَسْلُكُهُ} إلى المنزل، كان معناه ما قال: "وعلى مثل هذه الحال، وهذه الصفة وضعناه فيها"، فكيف يجوز إسناده إلى الله تعالى؟ وأجاب: أنه أريد بالإسناد إلى الله الدلالة على تمكن المنزل في قلوبهم حال كونه مكذباً به على سبيل الكناية، فقوله: "مكذباً": حالٌ مؤكدةٌ من الضمير في "تمكنه"، كقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} [الأحقاف: ٧]، وقيل: حالٌ مقدرةٌ، وفي "المطلع": الضمير في سلكناه للشرك والتكذيب، قال ابن عباس والحسن وغيرهما: سلكنا الشرك والتكذيب في قلوب مشركي مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>