شدّة الأمر على المسيء، وأنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين، فما هو أشدّ من مقتهم:
وهو مقت الله، وترى "ثمّ" يقع في هذا الأسلوب فيحل موقعه. (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) تبكيت لهم بإنكار وتهكم، ومعناه: كيف يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب يسأل فيه من جنس ما هو فيه اليوم من النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجاب إليها؟ ! ويحتمل أن يكون هذا حكاية توبيخ يوبخون به عند استنظارهم
قوله:(وترى)، أي: وأنت ترى لفظة "ثم"، يريد أن "ثم" إذا وقعت فيما لم يصح فيه معنى ما وضعت له من التراخي في الزمان، حملت على التراخي في الرتبة، ففعل بالفاءين هاهنا، أعني في قوله:{فَيَاتِيَهُمْ} وقوله: {فَيَقُولُوا} حيث لم يستقما أن يجريا على موضوعهما من التعقيب ما فعل بـ "ثم" في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا}[البلد: ١٧].
قوله:(تبكيتٌ لهم بإنكارٍ وتهكم)، والتبكيت من بكتة بالحجة، أي: غلبه. البكت: القطع، و"من" في "من النظرة": بيان "ما" في "ما هو فيه"، ومعنى التبكيت: أنه لما قيل: {فَيَاتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} عقب ذلك بقوله: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} إسكاتاً لهم مع إنكارٍ وتهكم، أي: كيف يستعجلون ما حاله ما ذكر، وهي أنه ما يأتيهم بغتةً، ويسألون عند ذلك الإمهال فلا يمهلون، والعاقل لا يستعجل ما فيه دماره. وهذا معنى التبكيت، لأنه كلامٌ جارٍ على العرف والعادة، والعاقل لا يدفع الكلام المنصف ولهذا قال:"من جنس ما هو [فيه] اليوم النظرة".
قوله:(معرض لعذاب)، أي: منصوبٌ له. الجوهري: وعرضت فلاناً لكذا، فتعرض هو له.
قوله:(يوبخون به عند استنظارهم)، أي: يوبخون يوم القيامة بقوله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} حين يطلبون الإمهال بقولهم: هل نحن منظرون؟ و {يَسْتَعْجِلُونَ} على هذا: مضارعٌ وقع موقع الماضي على حكاية الحال الماضية في الدنيا، وكان من حق الظاهر: أفبعذابنا استعجلتم؟