يومئذ، و (يَسْتَعْجِلُونَ) على هذا الوجه حكاية حال ماضية. ووجه آخر: متصل بما بعده، وذلك أنّ استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لا حق بهم، وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن، فقال عز وعلا:(أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ) أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل؟ ! ثم قال: هب أنّ الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم، فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم. وعن ميمون بن مهران: أنه لقي الحسن في الطواف، وكان يتمنى لقاءه فقال له: عظني، فلم يزده على تلاوة هذه الآية. فقال ميمون: لقد وعظت فأبلغت. وقرئ:(يُمْتَعُون) بالتخفيف.
قوله:(ووجهٌ آخر: متصلٌ بما بعده)، يعني بقوله:{أَفَرَءَيْتَ}، ويتم الكلام عند قوله:{نَحْنُ مُنْظَرُونَ} ثم يبتدئ من قوله: {أَفَبِعَذَابِنَا} على تأويل: أتستهزئون فتستعجلون بعذابنا؟ فالفاء في {أَفَبِعَذَابِنَا} عطفٌ على هذا المقدر، وفي {أَفَرَءَيْتَ} للتسبيب، أي: استهزاؤهم ذلك سببٌ لأن يتعجب منهم ويقال لكل سامع: أرأيت إن متعناهم سنين، فإذن الهمزة {أَفَرَءَيْتَ}: مقحمةٌ لمزيد الإنكار والتعجب وعلى الأول الفاء في {أَفَرَءَيْتَ}: عاطفةٌ، عطفت {رأيت} على مقدر، أي: أ×بر فيتعجب؟ والهمزة غير مقحمةٍ فتكون الجملة مستقلة.
قوله:(ثم قال: هب أن الأمر كما يعتقدون)، هو معنى قال تعالى:{أَفَرَءَيْتَ} أي: أخبرني {إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ}.
قوله:(لقد وعظت فأبلغت)، يعني: هذه الآية من الجوامع في باب الوعظ. روينا عن مسلم، عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغةً ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيمٌ قط، فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة"، الحديث.