هم المتبعون للرسول، فما قوله:(لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)؟ قلت: فيه وجهان: أن يسميهم قبل الدخول في الإيمان مؤمنين؛ لمشارفتهم ذلك، وأن يريد بالمؤمنين المصدّقين بألسنتهم، وهم صنفان: صنف صدّق واتبع رسول الله فيما جاء به، وصنف ما وجد منه إلا التصديق فحسب، ثم إمّا أن يكونوا منافقين أو فاسقين، والمنافق والفاسق لا يخفض لهما الجناح. والمعنى: من المؤمنين من عشيرتك وغيرهم، يعني: أنذر قومك فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض لهم جناحك، فإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرك بالله وغيره.
وأجاب من وجهين: أن المؤمنين يراد بهم الذين لم يؤمنوا بعد، بل شارفوا لأن يؤمنوا، كالمؤلفة مجازاً باعتبار ما يؤول، وكان من اتبعك شائعاً فيمن آمن حقيقةً، ومن آمن مجازاً، فبين بقوله:{مِنَ} أن المراد بهم المشارفون، أي: تواضع لهؤلاء استمالةً وتأليفاً.
وثانيهما: أن يراد بالمؤمنين: الذين قالوا: آمنا، وهم صنفان: صنفٌ صدق واتبع، وصنفٌ ما وجد منهم إلا التصديق، فقيل: من المؤمنين وأريد بعض الذين صدقوا واتبعوا، أي: تواضع لهم محبةً ومودةً، فـ "من"- على الأول: بيانٌ، وعلى الثاني: تبعيضٌ، وموقعه موقع البدل {لِمَنِ اتَّبَعَكَ}، والتقدير: واخفض جناحك لبعض المؤمنين، وهم الذين اتبعوك، ومن ثم فصلهم بقوله:"فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض لهم جناحك، فإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم". والذي هو أجرى على أفانين البلاغة أن يحمل الكلام على أسلوب وضع المظهر موضع المضمر، وأن الأصل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ} منهم، فعدل إلى "المؤمنين"، ليعم وليؤذن أن صفة الإيمان هي التي تستحق أن يكرم صاحبها، ويتواضع لأجلها من اتصف بها، سواءٌ كان من عشيرتك أو من غيرهم.