للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: أريد التفريق بينهنّ بآيات ليست في معناهنّ، ليرجع إلى المجيء بهنّ وتطرية ذكر ما فيهنّ كرّة بعد كرّة: فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي اشتدت كراهة الله لخلافها. ومثاله: أن يحدّث الرجل بحديث وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية، فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه.

[(والشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ)].

(وَالشُّعَراءُ) مبتدأ. و (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) خبره: ومعناه: أنه لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وفضول قولهم وما هم عليه من الهجاء وتمزيق الأعراض، والقدح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعالى إلهاً، وكل هذه الآيات متدانية المعاني في نفسها، لكنها تبعد مناسبتها ظاهراً عن معنى تلك الآيات الثلاث، والترجيع كما علم يستدعي شدة الاتصال بما رجع به إليها، فدل ذلك على شدة الكراهية لما نزلت الآيات فيه، وهو إنكار قريش أن القرآن ليس من عند الله، وأنه من جنس ما كان ينزل على الكهنة والشعراء. وروي عن المصنف: أن العبارة المتداولة في قولنا: اشتدت كراهة الله تعالى لخلافها، أي: لأجل خلافها اشتدت العناية بذكره، فاحترز عنها في حق الله تعالى.

قوله: (وتطرية ذكر)، تطرية السيف: محادثته بالصقل وتعهده به، قال زهيرٌ:

أحادثه بصقلٍ كل يوم … وأعجمه بهامات الرجال

قوله: (أن يحدث الرجل بحديث، وفي صدره اهتمامٌ بشيءٍ منه وفضل عناية، فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه)، وقلت: هذا المعنى هو الذي اعتمدنا عليه في أكثر ما تصدينا لنظم السور، فليكن على ذكرٍ منك، والله تعالى أعلم.

قوله: (ومعناه: أنه لا يتبعهم على باطلهم … إلا الغاوون)، هذا الحصر يفيده بناء

<<  <  ج: ص:  >  >>