ضرب جار مجرى التثنية لا يترجح فيه جانب على جانب، وضرب فيه ترجح، فالأول نحو قوله تعالى:(وَقُولُوا حِطَّةٌ)[البقرة: ٥٨، الأعراف: ١٦١]، (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً)[البقرة: ٥٨، الأعراف: ١٦١]، ومنه ما نحن بصدده. والثاني: نحو قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ)[آل عمران: ١٨]، (هُدىً وَبُشْرى) في محل النصب أو الرفع، فالنصب على الحال، أي: هادية ومبشرة، والعامل فيها؛ ما في (تِلْكَ) من معنى الإشارة، والرفع على ثلاثة أوجه، على: هي هدى وبشرى، وعلى البدل من الآيات، وعلى أن يكون خبرا بعد خبر، أى: جمعت أنها آيات، وأنها هدى وبشرى.
والمعنى في كونها هدى للمؤمنين: أنها زائدة في هداهم. قال الله تعالى:(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً)[التوبة: ١٢٤]. فإن قلت:(وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) كيف يتصل بما قبله؟ قلت: يحتمل أن يكون من جملة صلة الموصول، ويحتمل أن تتم الصلة عنده، ويكون جملة اعتراضية، كأنه قيل: وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات؛ من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة: هم بالآخرة الموقنون، وهو الوجه. ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية وكرّر فيها المبتدأ الذي هو (وهُمْ)
قوله:(وعلى البدل من الآيات)، قال الزجاج: تقديره: تلك هدًى وبشرى، وحسن أن يكون خبرًا بعد خبرٍ لـ {تِلكَ} على نحو: هو حلوٌ حامضٌ. وقد جمع الطعمين، فتجمع أنها آياتٌ، وأنها هاديةٌ مبشرة، وهو المراد من قوله:"جمعت أنها آياتٌ، وأنها هدًى"، أي: جمعت {طس} أن السورة آياتٌ، وأنها هدًى وبشرى.
قوله:(أنها زائدٌ في هداهم)، قال صاحب "الفرائد": ويمكن أن يكون المعنى كما مر في قوله: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: ١].
قوله:(وكرر فيها المبتدأ الذي هو {وَهُم})، الانتصاف: تكرر من الزمخشري أن إيقاع الضمير مبتدأٌ يفيد الحصر، كقوله:{هُمْ يُنْشِرُونَ}[الأنبياء: ٢١]، وعد الضمير من آلات الحصر ليس يثبت، وهاهنا الضمير مكررٌ، لأن الأصل:"وهم يوقنون بالآخرة"،