فقدم المجرور للعناية، فوقع فاصلاً بين المبتدأ والخبر، فأريد أن يلي المبتدأ خبره، وقد حال المجرور بينهما، فطوي ذكره، ولم يفت العناية بالمجرور حيث بقي مقدمًا.
وقلت: هذا كلام من لم يشم رائحة علم البيان، فإنهم أجمعوا على أن مثل:"أنا عرفت" تحتمل التقوى والتخصيص، أما التقوى: فلتكرير الإسناد، وأما التخصيص: فلاعتبار تقدم الفاعل المعنوي على عامله، ولما تقدم ضمير {هُمْ} على {يُوقِنُونَ} وأكد بالتكرير، أفاد التخصيص والتوكيد، ولهذا قال:"ما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون".
ولما كان جدوى الاعتراض تأكيد معنى المعترض فيه، ودل مفهوم قوله:{وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} على أن من أيقن بالآخرة حق الإيقان لابد أن يخاف تبعاتها، ومن خاف تحمل المشاق والمتاعب، وكان بهذا الاعتبار مؤكدًا لقوله: {لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، فصح كونه معترضاً.
روينا عن الترمذي، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غاليةٌ، ألا إن سلعة الله الجنة".
ثم في قوله:"إلا هؤلاء الجامعون" إشارةٌ إلى أن الضمير الأول وضع موضع اسم الإشارة، وصار مثل قوله تعالى:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلى قوله: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}[البقرة: ٣ - ٥]، وفائدته الإشعار بأن ما يرد عقيب اسم الإشارة المذكورون قبله أهلٌ لاكتسابه من أجل الخصال التي عددت لهم، فالمعنى: هم أحقاء بأن يوقنوا بالآخرة، لأنهم