للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب، حيث قال: (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) يعني أنّ مقابلته الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب؛ من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها، وإجرائه لها على قضايا الحكمة، أنه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه، فيكافئهم على حسب ذلك. ثم لخص ذلك بقوله: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) إلى آخر الآيتين، فانظر إلى بلاغة هذا الكلام، وحسن نظمه وترتيبه، ومكانة إضماده، ورصانة تفسيره، وأخذ بعضه بحجزة بعض، كأنما أفرغ إفراغاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإذا علم هذا فالحق أن يقال: إن قوله: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} هو النفخة الأولى، وأن قوله: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: ٨٧] واقعٌ بعد النفخة الثانية على ما قال المصنف، وكذا عن محيي السنة. وقوله: {صُنْعَ اللَّهِ} مصدرٌ مؤكد عمل في ما دل عليه {تَمُرُّ}، كما قال أبو البقاء والزجاج.

وقوله: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} تنبيهٌ على الشروع في الحساب، والأخذ في الجزاء على سبيل الاستئناف، وأنه جوابٌ لقول من يسأل: فماذا يكون بعد هذه القوارع؟ فقيل: إن الله خبيرٌ بعمل العاملين، فيجازيهم على أعمالهم، حسنها وسيئها، فمن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فكبت وجوهم في النار، هذا هو النظم الذي أفزع إفراغاً واحدًا، ورص ترصيصًا متينًا، والحمد لله على ذلك.

قوله: (إنه عالمٌ بما يفعل العباد)، الراغب: الخبر: العلم بالأشياء المعلومة من جهة الخبر، وخبرته خبرًا وخبرةً، وأخبرت: أعلمت بما حصل لي من الخبر، وقيل: الخبرة: المعرفة ببواطن الأمر، والخبار والخبراء: الأرض اللينة، وقد يقال ذلك لما فيها من الشجر، والمخابرة: مزارعة الخبار بشيءٍ معلوم، والخبير: الأكار فيه. وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. أي: عالمٌ بأخبار أعمالكم، وقيل: أي: عالمٌ ببواطن أموركم، وقيل: خبيرٌ بمعنى مخبرٍ، كقوله: {خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>