واحدا ولأمر مّا أعجز القوى وأخرس الشقاشق. ونحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام، جاء كالشاهد بصحته والمنادي على سداده، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان. ألا ترى إلى قوله:(صُنْعَ اللَّهِ)، و (صِبْغَةَ اللَّهِ)[البقرة: ١٣٨]، و (وَعَدَ اللَّهُ)[النساء: ١٢٢، الروم: ٦]، و (فِطْرَتَ اللَّهِ)[الروم: ٣٠]: بعد ما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم، كيف تلاها بقوله:(الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً)[البقرة: ١٣٨](لا يُخْلِفُ المِيعَادَ)[الروم: ٦](لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)[الروم: ٣٠] وقرئ: (تَفْعَلُونَ)، على الخطاب. (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) يريد الإضعاف وأنّ العمل يتقضى والثواب يدوم، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد. وقيل:(فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا)،
قوله:(الشقاشق)، النهاية: الشقشقة: الجلدة الحمراء التي يخرجها الجمل العربي من جوفه، ينفخ فيها فتظهر من شدقه، شبه الفصيح المنطيق بالفحل الهادر، ولسانه بشقشقته، وفي حديث علي رضي الله عنه:"إن كثيرًا من الخطب من شقاشق الشيطان" نسبها إلى الشيطان لما يدخل فيها من الكذب والباطل، وكونه لا يبالي بما قال. هكذا أخرجه الهروي عن علي.
وفي كتاب أبي عبيد وغيره من كلام عمر رضي الله عنه: ومنه حديث علي: "تلك شقشقةٌ هدرت ثم قرت".
قوله:{أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}[البقرة: ١٣٨]، متوافقان من حيث إن من حسن الصنعة إتقانه وإحكامه، وتسويته على ما ينبغي.
قوله:({فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} يريد الأضعاف وأن العمل يتقضى)، قال القاضي:{فَلَهُ خَيْرٌ} إذ ثبت له الشريف بالخسيس، والباقي بالفاني، وسبع مئةٍ بواحدةٍ.