ومن الوُقوعِ في يدِ بعضِ العُيونِ المبثوثةِ من قِبَلِ فرعونَ في تطلُّبِ الوِلْدان، وغيرِ ذلك من المَخاوِف. فإن قلتَ: ما الفرقُ بينَ الخوفِ والحُزن؟ قلتُ الخوفُ غَمٌّ يلحَقُ الإنسانَ لِمُتوقَّع. والحُزن: غَمٌّ يلحقهُ لِواقِع؛ وهو فراقُه والإِخطارُ به، فنُهِيَت عنهُما جميعًا، وأُومِنَتْ بالوحِي إليها، ووُعِدَت ما يُسلِّيها ويُطامِنُ قلبَها ويملؤُها غِبطةً وسُرورًا؛ وهو ردُّه إليها وجعلُه من المُرسلِين. ورُويَ: أنّه ذُبِحَ في طلبِ مُوسى عليه السَّلامُ تسعون ألفَ وليد. ورُوي: أنّها حينَ أقْرَبت وضرَبَها الطَّلْقُ وكانتْ بعضُ القوابلِ المُوكَّلاتِ بحبالي بني إسرائيلَ مُصافِيةً لها، فقالتْ لها: لينفَعني حبُّكِ اليومَ، فعالَجَتها، فلمّا وقعَ إلى الأرضِ هالَها نورٌ بينَ عيْنَيه، وارتعش كُلُّ مَفصِلٍ منها، ودخلَ حبُّه قلبَها، ثمّ قالت: ما جئتكُ إلاّ لأقتُلَ مولودَك وأخبِرَ فرعون، ولكنِّي وَجَدْتُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (وهو فِراقُه والإخطارُ به)، نَشْرٌ لِما سَبقَ على غَيرِ الترتيب. وقالَ الإمام: كأنه قيل: ولا تخافي مِن هلاكِه، ولا تحزني بسببِ فِراقِه؛ فإنّا رادُّوه إليكِ لتكوني أنتِ المرضِعةَ له، وجاعلوه مِنَ المرسلينَ إلى أهلِ مصرَ والشام.
قالَ أبو رجاءٍ أحمدُ بنُ عبدِ الله: حدثنا أبو الحسينِ عليُّ بنُ الصباحِ قال: سَمِعَ أعرابيٌّ رجلاً يقرأُ {أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} الآية، قالَ للقارئ: أعِدْه؛ فأَعادها، فقال: أشهدُ أنّ هذا كلامُ ربِّ العالمين؛ في آيةٍ واحدةٍ أمرانِ ونهيانِ وخبرانِ وبشارتان: {أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} خبر، و {أَنْ أَرْضِعِيهِ} أمر، ٍ {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ} أمر، {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} نهيان، {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ} بشارتان.
روي عنِ الأصمعي: كلّمَتِني جاريةٌ أعرابيةٌ فاستَفصحْتُ كلامَها؛ فقالت: أينَ أنتَ مِنْ كلامِ الله: {أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} كيفَ جَمَعَ بينَ أمرينِ ونهيَيْنِ وبشارتَيْن؟ !
قولُه: (حينَ أقرَبَتْ)، الجوهري: أقْرَبَتِ المرأةُ؛ إذا قَرُبَ ولادُها، وكذلك الفرسُ والشاة؛ فهِيَ مُقْرِب، ولا يُقالُ للناقة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute