للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلقَهُ الذي حدثَ به من شِدّةِ الفرحِ والابتهاج، لِتكونَ من المُؤمنِينَ الواثِقِينَ بوعْدِ الله لا بتَبنِّي فرعونَ وتعطُّفِه. وقرئَ: (مؤسى)، بالهمزِ: جُعِلت الضَّمّةُ في جارةِ الواوِ وهي الميمُ كأنّها فيها، فهُمِزَتْ كما تُهمَزُ واوُ وجوه. و {قُصِّيهِ} اتّبعي أثره وتتّبعي خبَرَه. وقُرِئَ: (فَبَصِرَتْ) بالكسرِ، يُقالُ بَصُرَت به عن جُنُبٍ وعن جُنُبٍ وعن جنابة، بمعنى: عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (لِيكونَ مِنَ المُؤمِنينَ الواثِقين بوَعدِ الله لا بتَبَنِّي فِرعونَ وتعطُّفِه)، فإنْ قلتَ: ما الفرقُ بينَ هذه العبارةِ وبينَ ما سبقَ مِنَ المؤمنينَ مِنَ المصدِّقِينَ بوَعدِ الله؟ قلتُ: الأوّلُ مبنيٌّ على أنّ {فَارِغًا} بمعنى: فارغًا مِنَ العقلِ مِنَ العقلِ مِن فَرْطِ الجَزَعِ والدّهَش، فالمناسِبُ أنْ يُقال: كادتْ تُظْهِرُ بأَمْرِ مُوسى مِنَ الغَمّ؛ لولا أنّ الله تعالى ألْهَمَها الصّبرَ لِتَقَرّ وتكونَ مِنَ المصدِّقينَ بوَعدِ الله وهُو: {إِنَّا رَأَىدُّوهُ إِلَيْكِ}. والثاني مبنيٌّ على أنّ {فَارِغًا} بمعنى: فارغًا مِنَ الهَمِّ والحُزْن -عكسُ الأوّل-، فالمناسبُ أنْ يُقَال: كادتْ تُظْهِرُ بأمْرِ مُوسى مِنَ الفَرَح؛ لولا أنْ رَبَطْنا على قَلْبِها كَرامةً لها؛ ليكونَ فرحُها وابتهاجُها مِنَ الوثوقِ بوَعدِ الله وهُو: أنّهُ حافظُه وَرادُّه إليها، ولا يكونَ فرحُها مِن تَبَنِّي فِرعون؛ فإنّ هذا الفَرَحَ سَخْطةٌ مِنَ الله تعالى؛ فالإيمانُ على المعنى الأوّلِ بمعنى الأوّلِ بمعنى التصديق، وعلى الثاني بمعنى الوثوق. روى المصنِّفُ عن أبي زيد: ما آمنتُ أنْ أَجِدَ صحابة؛ أي: ما وَثِقْتُ، وحقِيقتُه: صِرْتُ ذا أمن؛ أي: ذا سكونٍ وطمَانينة.

قولُه: (يُقال: بَصُرَتْ به)، الراغب: البَصَر: يُقالُ للجارِحةِ الناظِرة؛ كقولِه تعالى: {كَلَمْحِ اَلْبَصَرِ} [النحل: ٧٧]، وللقُوّةِ التي فيها. ويُقالُ لِقوّةِ القلبِ المُدرِكة: بَصِيرةٌ وبَصَر؛ كقولِه تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ اَلْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: ٢٢]، ولا يكادُ يُقالُ للجارِحة: بصيرة. ويُقالُ مِنَ الأول: أبْصَرْتُ، ومِنَ الثاني: أبْصَرْتُه وبَصُرْت به. وقلّما يُقال: بَصُرْت في الجارحة، ويقال: رأيته لَمْحًا باصِرًا؛ أي: نظرًا بتحديق. وقولُه تعالى: {وَجَعَلْنَآ آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: ١٢] أي: مضيئة، وقولُه: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت: ٣٨]، أي: طالبينَ البصيرة. ويجوزُ أنْ يُستعارَ الاستبصارُ للإبصار، نحوُ استعارةِ الاستجابةِ للإجابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>