للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: لما وعد رسوله الردّ إلى معادٍ، قال: قل للمشركين: (رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) يعنى نفسه، وما يستحقه من الثواب في معاده (وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يعنيهم، وما يستحقونه من العقاب في معادهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (لمّا وعدَ رسولَهُ الردّ إلى معاد)، هذا إذا أُريدَ بالمعادِ الإثابةُ والرجوعُ إلى مقاماتِهِ العاليةِ في الآخرة، والاتصالُ كما قالَ ظاهر. وأما إذا أُريدَ بالمعادِ مكة؛ فالمعنى: إنّ الذي حَباكَ نعمةَ الدين- لا سيما هذا الكتابَ الكريمَ الذي دُونَهُ كلُّ نعمة- يَمنَحُكَ فَتْحَ مكة، ويَرُدُّكَ إلى مَسْقَط رأسِك؛ كما قالَ تعالى: {إِنَّا فَتَحِنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} إلى قولِه: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّستَقِيمًا} [الفتح: ١، ٢]. فقُلْ لأعدائِك: موتوا كَمَدًا؛ ربي أعلمُ مَنْ جاءَ بالهدى مِنّا ومِنكُم، ومنْ هوَ في ضلالٍ مبين، يَنصُرُ المهتدي ويَخذُلُ الضال، وهوَ مالكُ الملك، يُعِزُّ مَنْ يشاءُ ويُذِلُّ مَنْ يشاء. وكما كنتَ غيرَ راجٍ أنْ يُلقي إليكَ هذا الكتاب، لكنّ الله لرحمتِهِ الواسعةِ ألقاهُ إليك، كذلكَ يَنصُرُكَ على أعدائكَ هوَ وحدَه، ويردُّكَ إلى معاد؛ فتوكّلْ عليهِ لا على غيره، ولا تَعتَمِدْ إلا عليه، ولا تكونَنّ ظهيرًا للكافرين. ويَنصُرُ هذا النّظْمَ قولُ القاضي: سيردُّكَ إلى معادٍ كما أَلقى إليكَ الكتاب، وما كنتَ ترجوه؛ ولكنْ ألقاهُ رحمةً مِنه.

قولُه: (وما يستحقُّهُ مِنَ الثوابِ في معادِه، وما يستحقُّونَهُ مِنَ العقابِ في معادِهِم)، هذا يَحتَمِلُ المعنَيينِ في تفسيرِ {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}؛ أمّا حملُهُ على يوم القيامةِ فظاهر، وأمّا على الإعادةِ إلى مكة؛ فالهدى والضلال والحقُّ والباطل، أو العِزُّ والنُّصرةُ والخِذْلانُ والذل؛ كما روينا عنِ الإمام: {مَن جَاءَ بِالهُدَى}: الإعزازُ بالإعادةِ إلى مكة.

وقالَ أهلُ التحقيق: هذا أَحَدُ ما يَدُلُّ على نُبُوّتِه؛ فإنهُ إخبارٌ عنِ الغَيْب. وقالَ مُحيي السُّنة: ربي أعلم من جاء بالهدى هذا جوابٌ لأهلِ مكةَ [لمّا قالوا] إنك في ضلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>