للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكرمه الواسع؛ أن لا يجزى السيئة إلا بمثلها، ويجزى الحسنة بعشر أمثالها وبسبع مئةٍ، وهو معنى قوله: (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها).

[(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ٨٥]

(فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه، يعنى: أن الذي حملك صعوبة هذا التكليف لمثيبك عليها ثواباً لا يحيط به الوصف. و (لَرادُّكَ) بعد الموت (إِلى مَعادٍ) أى معادٍ، وإلى معادٍ ليس لغيرك من البشر وتنكير المعاد لذلك. وقيل: المراد به مكة، ووجهه أن يراد رده إليها يوم الفتح، ووجه تنكيره أنها كانت في ذلك اليوم معاداً له شأنٌ، ومرجعاً له اعتدادٌ؛ لغلبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، وقهره لأهلها، ولظهور عز الإسلام وأهله، وذل الشرك وحزبه. والسورة مكيةٌ، فكأن الله وعده وهو بمكة في أذى وغلبةٍ من أهلها: أنه يهاجر به منها، ويعيده إليها ظاهراً ظافراً. وقيل: نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجره، وقد اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم، فنزل جبريل فقال له: أتشتاق إلى مكة؟ قال: نعم، فأوحاها إليه. فإن قلت: كيف اتصل قوله تعالى: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ) بما قبله؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (أَوْجَبَ عليكَ تلاوتَه)، أي: أوجبَ تلاوتَهُ عندَ تبليغِ الوحي؛ كقولِهِ تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ} [العنكبوت: ٤٥]، لا في جميعِ الأوقات. والعملُ عاقِبُهُ؛ أيْ: مِنَ الفرائض، وأما الاستماعُ على الأمة ففي حالةِ الصلاة؛ قالَ تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ, وَأَنصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤].

قولُه: ({إِلَى مَعَادٍ} أي: معاد)، الراغب: قيل: أرادَ بالمعادِ مكة، والصحيحُ ما أشارَ إليهِ عليٌّ رَضِيَ الله عنهُ وذكَرَهُ ابنُ عباسٍ أنّ ذلكَ الجنةُ التي خلقَهُ فيها بالقُوّةِ في ظَهْرِ آدمَ وأَظْهَرَهُ مِنه؛ حيثُ قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذَرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: ١٧٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>