لم يكن شيئاً؛ حتى تقول: حسبت زيداً عالماً؛ وظننت الفرس جواداً، لأنّ قولك: زيدٌ عالم، أو الفرس جواد: كلامٌ دال على مضمون، فإن أردت الإخبار عن ذلك المضمون ثابتاً عندك
قولُه:(لم يكنْ شيئَا) أي: كلامًا مفيدًا، والضميرُ في ((يَكُنْ)) يعودُ إلى القولِ الَّذي يدلُّ عليه قولُه: ((لَوْ قُلْتَ)).
قولُه:(ثابتًا عندَك) حالٌ إمَّا مِنْ فاعلِ ((أَردْتَ))، أوْ ((عن ذلك المَضمونِ))، وقيل: هو منصوبٌ عن كونِ مقدَّرٍ، أوْ عنَ كونِ ((ذلكَ المضمونِ ثابتًا عندَك))، يدلُّ عليه قولُه:((فلمْ تَجدْ بُدًّا في العبارةِ عن ثَباتِه عندَك))؛ لأنَّه مِنَ التَّركِ الَّذي هو بِمعنى التَّصيير؛ يعني: يتعدَّى على مفعولَيْن، يشهدُ له الاستشهاد، وما سبقَ في أوَّلِ ((البقرةِ)) في قوله: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ}[البقرة: ١٧]، وفيهِ نَظَر؛ لأنّ قولَه:{وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} حالٌ، الواوُ صادَّةٌ عن جعلِ الجُمْلة ثاني مفعولَيْ: تَرك.
والظاهرُ أنَّه ممَّا يَتعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ بمعنى يُخَلَّوا أو يُطرَحوا، ولعلَّه مالَ إلى مذهب الأخفش، حيث جوَّز دخولَ الواوِ في خبرِ ((كانَ)) وأخوَاتِها.
قالَ شارحُ أبياتِ ((المفصَّل)): حُكيَ عن الأخفشِ: أنَّه كانَ يُجوِّز كان زيدٌ وأبوهُ قائِمٌ؛ على نُقصانِ ((كان)) وجَعْلِ الجملةِ خبرًا معَ الواو، وتَشبيهِها لخبرِ ((كانَ)) بالحال، وهذا كأنَّه التفاتٌ إلى مذهبِ الكوفيِّ، أنّ عندَه خبرُ ((كانَ)) حالٌ لا خبرٌ، وعليه قولُ المَعرّي: