للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقالَ صاحبُ ((التَّقريب)) في قولِه: ((أَحسِبوا تَركَهُم غيرَ مفتونِين كقولهِم: {آمَنَّا})) نَظَر؛ لأنَّه يؤدِّي إلى تُركوا غيرَ مفتُونِين. وإنّما الكلامُ في العلِّةِ وليسَ كذلكَ لما ذكر من معنى الآية: أي أَحَسِبَ الذين نَطقُوا بكلمة الشهادة أنّهم يُتركون غيرَ مُمتَحَنين، بل يُمتَحنون ليتميَّزَ الراسخُ في الدِّين من غيرِه. ولسَبَبِ النُّزولِ.

فالوجهُ أن يُجعلَ {أَن يُتْرَكُوا} سادًّا مَسدَّ مفعوليَ ((حَسِبَ)) كما سَيذكر في {أَن يَسْبِقُونَا} بعدَ ((حَسِبَ)) ونظائرِه، و {أَن يَقُولُوا} علَّةً للحِسْبان؛ أي: أَحَسِبوا كقولهم: {آمَنَّا} أن يُتركوا غيرَ مفتُونين بسبب قولِهم هذا لا بسببٍ آخَر، وليس الكلامُ إلاّ في أنْ جَعَلوا قولَهم علَّةً لقولهم: {لَا يُفْتَنُونَ}.

وأما سَببُ النُّزولِ: فهو أنَّ ناسًا من الصحابة جَزِعوا من أذى المشركين، إلى آخره.

وأُجيبَ: أنَّ ذلك إنّما لَزِم أنْ لو كان التقديرُ ما ذَكَره، أمّا لو قُدِّر: أَحَسِبُوا تَرْكُهُم غيرَ مفتُونينَ يحصلُ لقولهم: {آمَنَّا}، كما نصَّ عليه المصنِّفُ بقوله: ((على تقدير: حاصِلٌ ومستقرٌّ، قَبلَ اللاّم)) استقام، كأنّه قيل: لا ينبغي أن تَحسَبُوا أنَّ إجراءَ كلمةِ الشهادةِ على ألسنَتِكُم سببٌ لأنْ لا تُفتَنُوا؛ لأنّه مُقتَضٍ لازدياد الفتنةِ على ما سيجيءُ في حديث خبّابِ ابنِ الأَرتِّ، فإن لم يجعلوه مقتضيًا له فَلأَنْ لا يَجعلُوه لِعَدمِه أَولى.

والحاصل أنّ دلالة المفهوم الذي ذَكَره، وأن الكلام في العلَّة مهجور؛ لأنَّ الكلام مع قومٍ مخصوصينَ؛ كقوله تعالى: {لَا تَاكُلُوا الرِّبوَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: ١٣٠]، وقال الزَّجاجُ: في قوله: {أَحَسِبَ النَّاسُ} معنى التَّقريرِ والتَّوبيخِ؛ أي: أَحَسِبوا أن نقنعَ منهم بأن يقولوا: إنّا مؤمنون فقط ولا يُمتَحنون بما تَتبيَّنُ به حقيقةُ إيمانِهم، وموضعُ ((أَنْ)) الأُولى نصبٌ؛ لأنَّه اسمُ ((حَسِبَ)) وخبرُه، وموضعُ ((أَنْ)) الثانية إما نصبٌ بـ {يُتْرَكُوا}.

المعنى: أَحَسِبَ النّاسُ أن يُتركوا لأنْ يَقولوا أو بأنْ يقولوا، ثم حُذِفَ الجارُّ وأُوصِلَ، وإمّا أن يكونَ العاملُ فيها {أَحَسِبَ}، كأن المعنى: أَحَسِب الناسُ أن يقولوا: آمنّا وهم لا يُفتنون. والأوَّلُ أجودُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>