للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(مِنْ فَضْلِهِ) مما يتفضل عليهم بعد توفية الواجب من الثواب؛ وهذا يشبه الكناية، لأن الفضل تبع للثواب؛ فلا يكون إلا بعد حصول ما هو تبع له: أو أراد من عطائه وهو ثوابه؛ لأن الفضول والفواضل هي الأعطية عند العرب. وتكرير. (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وترك الضمير إلى الصريح لتقرير أنه لا يفلح عنده إلا المؤمن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقلت: الظاهِرُ أن قولَه تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} -الآيةُ بتمامِها- كالمُوردِ للسّؤال، والخطابُ لكلِّ أحدٍ من المكلَّفين. وقولُه: {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} -الآية- واردٌ على الاستئنافِ، مُنْطَوٍ على الجواب، فكأنَّه لمّا قيلَ: أَقيمُوا على الدِّين القيِّم، قَبْلَ مجيءِ يومٍ يتفرَّقون فيه، فقيل: ما للمُقيمين على الدِّين وما على المُنحرفين عنه، وكيف يتفرَّقون؟ فأُجيبَ: {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} الآية.

وأمّا قولُه: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} -الآية- فينبغي أن يكونَ تعليلاً للكلِّ ليفصل ما ترتَّبَ على ما لهم وعليهم، ولكن يتعلَّقُ بـ {يَمْهَدُونَ} وحدَه لشدَّة العنايةِ بشأن الإيمانِ والعمل الصالحِ وعَدَم العَبْءِ بعمل الكافرِ، ولذلك وُضِع مَوضِعَه {نَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}.

قال الإمام: {نَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} وعيد، ولم يُفَصِّله، وهذا الإجمالُ فيه كالتفصيل، فإنَّ عدمَ المحبةِ مِن اللهِ تعالى غايةُ العذابِ.

قوله: (وهذا يشبه الكناية)، يعني: استعمال الفضل هنا من الكناية، وليست بكنايةٍ تامَّةٍ؛ لأنَّه لم يُرِد بِالفَضْل الأجرَ الواجبَ على مَذهبِه، بل الزِّيادةَ ولكن بعد حُصول مَتْبُوعِه، فهو بهذا الاعتبار كناية، ولَعَمْري هذا تَعسُّفٌ، والوجه الثاني أشدُّ تَعسُّفًا منه.

قوله: (لأنَّ الفُضولَ) عن بعضِهم: الفُضول: جَمعُ الفَضْلِ، يُستعملُ في الذَّمّ، والواحد في المَدْح، بخلاف الرِّيح والرِّياح، فإنهما عكس هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>