للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأغراض في إرسالها، وأنه أرسلها للبشارة بالغيث ولإذاقة الرحمة، وهي نزول المطر وحصول الخصب الذي يتبعه، والروح الذي مع هبوب الريح وزكاء الأرض. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كثرت المؤتفكات زكت الأرض». وإزالة العفونة من الهواء، وتذرية الحبوب، وغير ذلك، (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) في البحر عند هبوبها. وإنما زاد (بِأَمْرِهِ) لأن الريح قد تهب ولا تكون مؤاتية، فلا بد من إرساء السفن والاحتيال لحبسها، وربما عصفت فأغرقتها، (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يريد تجارة البحر؛ ولتشكروا نعمة الله فيها. فإن قلت: بم يتعلق (وليذيقكم)؟ قلت: فيه وجهان: أن يكون معطوفًا على (مبشرات) على المعنى، كأنه قيل: ليبشركم وليذيقكم. وأن يتعلق بمحذوف تقديره: وليذيقكم وليكون كذا وكذا أرسلناها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صَرْصَرًا} [القمر: ١٩] وكلُّ موضعٍ ذُكر فيه بلفظ الجمع عبارةٌ عن الرَّحمة؛ كقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}.

قوله: (إذا كَثُرت المؤتَفِكاتُ زَكَتِ الأرضُ)، الأساس: أَفِكَه عن رأيه: صَرَفهُ، ورأيتُ أن أفعَلَ كذا فأَفكْتُ عن رأيي، وائتفكت الأرض بأهلها: انقلبت، وإذا كَثُرت المؤتَفِكات زَكَتِ الأرضُ، وهي الرِّياحُ المختلفاتُ المهابِّ.

قوله: (لأنَّ الريحَ قد تهبُّ ولا تكونُ مؤاتيةً)، قال صاحب ((المطلع)): يعني هبوبُها مواتيةً أمرٌ من أمورِه التي لا يقدر عليها غيرُه. وإليه الإشارةُ: بقوله {إِن يَشَا يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [الشورى: ٣٣]، ثم قال: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} [الشورى: ٣٤] أي: بالغَرَق إذا اشتدَّت الرِّيح وقيل: الحاصلُ أنّه قد يُجرى الرِّيح على وَجْهٍ لا تكونُ مواتيةً أي: موافقةً للمُراد، فيحتاج الملاَّحون إلى حَبْس السُّفنِ، ولو كان بطبيعة الرِّيح لما اختَلفت، فعُلم أن ذلك بإرادة الله وأمْرِه.

قوله: (ولِيُذيقكم وليكونَ كذا وكذا أرسلناها) ((كذا وكذا)) كنايتان عن قوله: {وَلِتَجْرِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>