للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يزيدوا على الفرح والاستبشار، وأن يصبروا على بلائه، فكفروا. والريح التي اصفرّ لها النبات: يجوز أن تكون حرورًا وحرجفًا، فكلتاهما مما يصوح له النبات ويصبح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإن قلتَ: مُقتضى الظاهر أن يُوضعَ موضعَ: {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} لم يَحمَدُوا؛ لقوله: ((وأن يَشْكُروا نِعمتَه))، ومَوضِعَ {لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} لضَجُّوا وجَزِعُوا؛ لقوله: ((وأن يصبروا على بلائه)).

قلت: إنما عَدَل في الأوَّل ليُؤذِنَ بأنَّ الفرحَ المُفرِطَ بَطَرٌ وأَشَرٌ وليس ذلك من شأن الشّاكر الحامِدِ، بل من دَيْدَنِ الكافر، وأشعَرَ بالثاني أنَّ فقدانَ الصَّبرِ عند نزول البلاء دليلٌ على عدم الرِّضى بالقضاء، وهو إخراجٌ لِرِبْقَةِ العُبوديَّةِ، كما قيل: ((من لم يَصبرْ على بلائي؛ فلْيَتَّخذ ربّاً سِواي)).

فإن قلتَ: قد عُلم من تقديم المصنِّف معنى الإبلاس على الاستبشار أنه راعي معنى لفظ ((قبل)) في الآية الثانية، فما فائدة تأخيرِه في التَّنزيل وتكرير ((قبل)

قلت: أخَّرَ الإبلاسَ عن الاستبشار، وأبرزَه في صُورة الشَّرطيَّة إرادةً للمبالغة وتثنيةً للتَّقريع، إذ لو أُريدَ الظاهرُ لقيل: فإذا أصاب به القانطينَ فَعَلوا كذا؛ كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: ٢٨] ولذلك قَطَع ما هو متَّصلٌ بأصل الكلام من قوله: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ}، وعلَّق به نوعًا آخَر من التَّوبيخ إشعارًا بتعديد النِّعَم وتكرير تَلقِّيهم إيّاها بالكفران. ألا ترى كيف عقَّب ذلك بقوله: {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} الآيةَ.

قوله: (حَرورًا) وهي الرّيحَ الحارَّة، وهي باللّيل كالسَّمُومِ بالنَّهار، والحَرْجَف: الرِّيحُ الباردَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>