للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وبشر المؤمنين)] الأحزاب: ٤٧ [؛ لأنه يكون شاهدًا على أمته وهم يكونون شهداء على سائر الأمم، وهو الفضل الكبير؛ والمبشر بالإعراض عن الكافرين والمنافقين؛ لأنه إذا أعرض عنهم أقبل جميع إقباله على المؤمنين، وهو مناسب للبشارة؛ والنذير بدع أذاهم؛ لأنه إذا ترك أذاهم في الحاضر -والأذى لا بدّ له من عقاب عاجل أو آجل- كانوا منذرين به في المستقبل؛ والداعي إلى الله بتيسيره بقوله: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الله)؛ لأنّ من توكل على الله يسر عليه كل عسير؛ والسراج المنير بالاكتفاء به وكيلا؛ لأن من أناره الله برهانًا على جميع خلقه، كان جديرًا بأن يكتفى به عن جميع خلقه.

[(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً)] ٤٩ [

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقولُه: ((سمَّيْتُك المتوكِّلَ)) إلى آخرِ الحديث مُقابِلٌ لقولِه: ((سِراجًا مُنيرًا)).

فعُلمَ أنّ قولُه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} مناسبٌ لقولِه: {وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}، فإنّ السراجَ مضيءٌ في نَفْسِه ومُنَوِّرٌ لغيرِه، فكَوْنُه متوكّلاً على الله يكون كَمالاً في نفسِه، فهو مناسب لقولِه: ((أنت عَبدي ورسولي سمَّيتُك المتوكلَ)) إلى قولِه: ((يعفو ويَصفح))، وكونُه منيرًا بفَيْضِ الله عليه يكونُ كمالاً لغيرِه، وهو مناسبٌ لقوله: ((حتى يُقيم به المِلّةَ العَوْجاءَ ويفتح به أعينًا عُميًا وآذانا صُمًّا)). هذا معنى قول المصنف: ((أنارَه الله بُرهانًا على جَميع خلقِه، كان جديرًا بأن يُكتَفَى به عن جميع الخلق))، والله أعلم.

ويمكن أن تُنَزَّل المراتب على لسان أهل العرفان؛ فقولُه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} هو مقامُ الشريعةِ ودعوةِ الناسِ إلى الإيمانِ وتَرْكِ الكفر ونتيجةُ بِشارةِ مَنْ آمن وإنذارِ مَنْ أعرض، وقولُه: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} مقامُ الطريقةِ ونتيجةُ الإعراضِ عمّا سوى الله، والأخذِ في السيرِ والسلوكِ والالتجاءِ إلى حَرم لُطْفِه والتوكلِ عليه وقولُه: {وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} هو مقامُ الحَقيقة ونتيجتُه فَناءُ السالكِ وقيامُه بقَيُّوميتِه، وكفى بالله وكيلاً،

واللهُ أعلَمُ بمراده من كلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>