النكاح: الوطء، وتسمية العقد نكاحا؛ لملابسته له، من حيث إنه طريق إليه. ونظيره تسميتهم الخمر إثمًا؛ لأنها سبب في اقتراف الإثم، ونحوه في علم البيان قول الراجز:
أسنمة الآبال في سحابه
سمى الماء بأسنمة الآبال؛ لأنه سبب سمن المال وارتفاع أسنمته، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد؛ لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به. ومن آداب القرآن: الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان.
شربتُ الإثمَ حتى ضَلَّ عقلي … كذاك الإثمُ يذهَبُ بالعقول
قولُه:(أسْنِمةُ الآبالِ في سَحابه)، بعده:
أقبلَ في المُسْتَنِّ مِن رَبابه
استنّ الفرسَ: قَمَصَ. وفي المَثل: استَنَّتِ الفِصالُ حتى القرعى.
قولُه:(ومِن آدابِ القرآنِ الكنايةُ عنه- أي: الوَطء- بلفظ الملامَسةِ) ونحوه احترازًا عن الاستهجان. فإن قيل: هذا لا يناسبُ قولَه: ((ولم يَرِدْ النكاحِ في كتابِ الله إلا بلفظِ العَقْدِ))، لأنّ الكنايَة أن يعدِل من اللفظِ الموضوعِ لمعنًى إلى ما يَسْتلزمُه، ورعايةُ الأدبِ العدولُ عن لفظٍ فيه بَشاعةٌ إلى ما ليسَ كذلك، كَالملامسةِ والمُماسّة والقُربان والغِشيانِ، لا عَنْ لفظٍ ليس فيه بَشاعةٌ كالعقدِ إلى ما فيه بشاعةٌ كالوطء. والجوابُ: أنّ استعمالَ النكاحِ في معنى العقد ليس من الكناية في شيء، بل إنه من الحقيقةِ الشرعية منْسيًّا فيه المعنى اللغوي، ولا يكادُ يُفْهَمُ منه معنى الوطءِ إلاّ بقرينة، ألا ترى إلى قوله تعالى:{مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} كيف قرنَه به حين أرادَ به ذلك المعنى؟ فعلى هذا قولُه:((لأنه في معنى الوطء)) تعليلٌ لكونها