فإن قلت: ما هذا التمتيع؟ أواجب أم مندوب إليه؟ قلت: إن كانت غير مفروض لها؛ كانت المتعة واجبةً، ولا تجب المتعة عند أبى حنيفة إلا لها وحدها دون سائر المطلقات، وإن كانت مفروضا لها؛ فالمتعة مختلف فيها: فبعض على الندب والاستحباب، ومنهم أبو حنيفة، وبعض على الوجوب. (سَراحاً جَمِيلًا) من غير ضراٍر ولا منع واجب.
قولُه:(إن كانت غير مفروض لها كانت المتعة واجبة)، قال القاضي:{فَمَتِّعُوهُنَّ} إن لم يكُن مفروضَا لها، فإن الواجبَ المفروضَ لها نصفُ المفروضِ دونَ المتعةِ، ويجوز أن يُؤوَّلَ التمتيعُ بما يعمّهما أو الأمر بالمشتركِ بين الوجوبِ والندبِ، فإنّ المتعة سنةٌ للمفروضِ لها.
سبقَ تقريره في البقرة.
قولُه:({سَرَاحًا جَمِيلًا} من غيرِ ضِرار)، السَّراح: اسمُ التسريح، وليسَ بمصدر.
الراغب: السَّرْحُ: شجَرٌ له ثمَر، الواحدة سرحة وسَرَّحْتُ الإبلَ: أن تُرْعِيَه السرح ثم جُعِلَ لكل إرسالٍ في الرعي قال تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}[النحل: ٦]، والتسريح في الطلاق مستعارٌ من تَسريحِ الإبلِ، كالطلاقِ في كونه مُستعارًا من إطلاقِ الإبل، واعتُبر في السرحِ المُضيُّ، فقيل: ناقةٌ سُرُحٌ: تسرَحُ في سيرِها، ومضى سَرْحًا جميلاً، والمُنسرِحُ: ضَرْبٌ من الشعر، استعيرَ لفظَهُ من ذلك.
وقلت: وأما بَيانُ رَبْط هذه الآية بأنها كالتمهيدِ للشروع في نوعٍ آخرَ من كرامة النبي صلى الله عليه وسلم وفضائله وهو استئثار الله له الأفضلَ والأولى واستخارتُه الأطيبَ والأزكى في قوله: {آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ}، واختصاصُه من دون المؤمنين بنكاحِ الموهوبةِ نفْسَها لإزاحةِ الحَرجِ عنه وإخلاءِ باله. ألا ترى كيف ضَيَّق على المؤمنين في طلاقِ غيرِ المدخولِ بها حيث أسقط حَقَّهم من العِدّةِ وأمرَهم بسَوْقِ المُتْعةِ والتسريحِ الجميل هذا يؤيد قوله:(({قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} مُعْتَرضٌ))، هذا ما خَطر بالبالِ، والله أعلم بحقيقة الحال.