للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تستنكحها؛ لأنّ إرادته هي قبول الهبة وما به تتم. فإن قلت: لم عدل عن الخطاب إلى الغيبة في قوله تعالى: (نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ) ثم رجع إلى الخطاب؟ قلت: للإيذان بأنه مما خص به وأوثر، ومجيئه على لفظ النبي؛ للدلالة على أن الاختصاص تكرمة له لأجل النبوّة، وتكريره تفخيم له وتقرير لاستحقاقه الكرامة لنبوته. واستنكاحها: طلب نكاحها والرغبة فيه، وقد استشهد به أبو حنيفة على جواز عقد النكاح بلفظ الهبة؛ لأنّ رسول الله) صلى الله عليه وسلم وأمّته سواء في الأحكام إلا فيما خصه الدليل، وقال الشافعي: لا يصح، وقد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى الهبة ولفظها جميعا؛ لأنّ اللفظ تابع للمعنى، والمدعى للاشتراك في اللفظ يحتاج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (وتكريره تفخيمٌ له [وتقريرٌ] لاستحقاقِه الكرامةَ لنبوته)، يعني: دلَّ إقامةُ المُظهرِ موضعَ المُضْمرِ في قوله: {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} على أنَّ المرأة إنما وهبَتْ نفسَها له، وجاز له ذلك دون غيره تكرِمَةً لأجل نُبوتِه، ودل تكرير ذلك في قولِه: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا} على أن الله تعالى إنما آثر إرادته في ذلك لكونه صلوات الله عليه أهلاً لذلك لأجلِ نُبوَّتِه، فظهَر أن طريقَ التعليلَيْن مختلفة، فكما أنّ نبوتَه اقتضت ذلك كذا إرادته، قال الزجاج: وإنما قيل: {لِلنَّبِيِّ}؛ لأنه لو قيل: إن وهبَتْ نفْسَها لك، كان يَجوزُ ان يُتوهَّمَ أن في الكلام دليلاً على أنه يجوز ذلك لغير النبيِّ، كما جاء في {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ}.

قولُه: (وقد خُصَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمعنى الهبة ولفظها جميعًا)، قال الإمام: قال الشافعيُّ رضي الله عنه: معنى الآية إباحةُ الوَطْءِ بالهبة، وحصولُ التزوجِ بلفظِها من خواصك.

وقال أبو حنيفة رضيَ الله عنه: تلك المرأة صارت زوجةً ومن أمهات [المؤمنين] لا تحلُّ لغيرِك أبدًا، وقال: ويمكن أن يقال: فعلى هذا التخصيصُ بالواهبةِ لا فائدةَ فيه؛ فإن أزواجَه كلّهن خالصاتٌ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>