بالناس، فترادفوا أفواجًا يأكل فوج فيخرج، ثم يدخل فوج، إلى أن قال: يا رسول الله، دعوت حتى ما أجد أحدًا أدعوه، فقال:"ارفعوا طعامكم"، وتفرق الناس، وبقي ثلاثة نفٍر يتحدثون، فأطالوا؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليخرجوا، فانطلق إلى حجرة عائشة رضى الله عنها، فقال:"السلام عليكم أهل البيت"، فقالوا: عليك السلام يا رسول الله، كيف وجدت أهلك؟ وطاف بالحجرات فسلم عليهن، ودعون له؛ ورجع، فإذا الثلاثة جلوس يتحدثون، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحياء، فتولى، فلما رأوه متوليًا خرجوا، فرجع؛ ونزلت. (وَلا مُسْتَانِسِينَ لِحَدِيثٍ): نهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعٍض لأجل حديث يحدثه به، أو عن أن يستأنسوا حديث أهل البيت. واستئناسه: تسمعه وتوجسه. وهو مجرور معطوف على (ناظرين). وقيل: هو منصوب على: ولا تدخلوها مستأنسين. لا بد في قوله:(فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) من تقدير المضاف، أى: من إخراجكم، بدليل قوله:(وَالله لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) يعنى: أن إخراجكم حتى ما ينبغي أن يستحيا منه
والنَّسائيِّ عن أنسٍ قال: كنتُ أعلمَ الناسِ بشأنِ الحجابِ حين أُنزِلَ، وكانَ أوّلَ ما أُنزِلَ في مُبتنى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بزينبَ بنتِ جَحْش؛ أصبحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عروسًا فدعا القومَ فأصابوا الطعامَ ثم خَرجوا، وبقيَ رَهْطٌ منهم عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأطالوا المُكْثَ، فقامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فخرجَ وخرجتُ معه، الحديثُ على نَحْو ما ذكَره المصنِّفُ مع تغييرٍ في رواياتٍ شتّى.
قولُه:(وتوجُّسُه)، الجوهري: التوجُّسُ: التسمُّعُ إلى الصوتِ الخَفيّ.
قولُه:(بدليلِ قوله: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ})، لأن معناه: لا يتركُ تأديبَكم، والتأديبُ في هذا المقامِ إخراجُهم من البيتِ لأنّ جلوسَهم فيه كان يُؤذي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فوجبَ لذلك أن يُقدَّرُ إخراجُهم ليتطابقَ النفيُ والإثبات. وفي وَضْع الحقِّ مقامَ الإخراجِ إيذانٌ بتعظيمِ جانبِ الرسول صلى الله عليه وسلم.