للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً) من نكاحهن على ألسنتكم (أَوْ تُخْفُوهُ) في صدوركم (فَإِنَّ الله) يعلم ذلك فيعاقبكم به. وإنما جاء به على أثر ذلك عامًا لكل باٍد وخاٍف؛ ليدخل تحته نكاحهن وغيره؛ ولأنه على هذه الطريقة أهول وأجزل.

[(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ الله إِنَّ الله كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً)] ٥٥ [

روى: أنه لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب: يا رسول الله، أو نحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت. (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ) أى: لا إثم عليهن في أن لا يحتجبن من هؤلاء، ولم يذكر العم والخال؛ لأنهما يجريان مجرى الوالدين، وقد جاءت تسمية العم أبًا، قال الله تعالى: (وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ)] البقرة: ١٣٣ [، وإسماعيل عم يعقوب. وقيل: كره ترك الاحتجاب عنهما؛ لأنهما يصفانها لأبنائهما، وأبناؤهما غير محارم، ثم نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب، وفي هذا النقل ما يدل على فضل تشديد، فقيل: (وَاتَّقِينَ الله) فيما أمرتن به من الاحتجاب وأنزل فيه الوحى من الاستتار، واحططن فيه، وفيما استثنى منه ما قدرتن، واحفظن حدودهما، واسلكن طريق التقوى في حفظهما، وليكن عملكن في الحجب أحسن مما كان وأنتن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (وإنما جاءَ به على أثَرِ ذلك عامّاً)، يعني: كانَ منَ الظاهرِ أن يُقال: إن تبدوا إنكاحَهُنَّ على ألسنتِكم فإنَّ اللهَ يَعلمُ ذلك، فوضَعَ في مَوْضعِهما {شَيْئًا} و {شَيْءٌ}؛ ليدخُلَ تحْتَ هذا العامِّ دخولاً أوّليًا على سبيلِ البُرْهان، وكان أجْزَل وأهْول.

قولُه: (فقيل: {وَاتَّقِينَ اللَّهَ})، متَّصلٌ بقَوْلِه: ((ثمّ نَقَلَ الكلامَ من الغَيْبةِ إلى الخطاب) وقولِه: ((وفي هذا النقلِ ما يدلُّ على فَضْلِ تشديد)) اعتراض، وإنما كان فَضْلَ تشديدٍ لأنّ الخطابَ أقوى من الغيبةِ، ومَنْ كان مُشافَهًا في الزَّجْرِ كان أرْدَع له مِمّا كان غائبًا، ولذلك قيل: كافَحَه وواجَهَه في الكلام.

قولُه: (واحفَظْنَ حدودَهما)، أي: حدودَ الاحتجاب وما استُثْنيَ منه من عدمِ الاحتجابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>