عن فجورهم، والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء: لنأمرنك بأن تفعل بهم الأفاعيل التي تسوءهم وتنوؤهم، ثم بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة، وإلى أن لا يساكنوك فيها (إِلَّا) زمنًا (قَلِيلًا) ريثما يرتحلون ويلتقطون أنفسهم وعيالاتهم. فسمى ذلك إغراء -وهو التحريش- على سبيل المجاز. (مَلْعُونِينَ) نصب على الشتم أو الحال، أى: لا يجاورونك إلا ملعونين. دخل حرف الاستثناء على الظرف والحال معًا، كما مرّ في قوله:(إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ)] الأحزاب: ٥٣ [،
قولُه:(وتَنُوءُهم)، الجوهري: قال ابنُ السكّيت: يُقال: له عندي ما ساءَهُ وناءَهُ، أي: أثْقَلَه، وما يسوءُه وينوءُه. وقال بعضُهم: أراد: ساءَهُ وأناءه، وإنّما قال: ناءَهُ، وهو لا يتَعدّى لأجل ((ساءَه)) ليَزْدوِجَ الكَلام.
قولُه:(ويلتقطون أنفُسَهم)، الأساس: لَقَطَ الحصا وغَيْرَه والتقَطه ويَلْقُطُه. الانتصاف: في قولهِ: {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} إشارةٌ إلى ما فَسَّره الزمخشريُّ إلى أنّ مَنْ توجَّه عليه إخلاءُ مَنْزلٍ مملوكٍ للغيرِ بوَجْهٍ شَرْعيٍّ؛ يُمْهَلُ رَيْثَما نفْسَه ومَتاعَه وعيالَه إن كان له موضعٌ، وإلا يُمْهَلُ حتّى يتَيَّسر له موضِعٌ آخَر.
قولُه:(فسَمّى ذلك إغراءً)، أي: أطلقَ على الأمرِ بأن يَفْعلَ بهم الأفاعيلَ التي تَسوءهُم الإغراءَ بقولِه: {لَنُغْرِيَنَّكَ} على المجازِ مُبالغة.
قولُه:(التحريش)، النهاية: وفي الحديث: نهي عن تحريش البهائم، وهو الإغراءُ وتَهْييُج بعضِها على بعضِ، كما يُفعَلُ بين الجمالِ والكِباشِ والديوك.
قولُه:(دخَل حرْفُ الاستثناءِ على الظرفِ والحالِ معًا)، كأنّه قيل: لا يُجاورونَك فيها في حالٍ من الأحوالِ وزَمنٍ من الأزمنةِ، إلاّ مَطرودين مَلعونين، زمنًا قليلاً، ريْثَما يرتحِلون ويلتقطونَ أنفُسَهم وعِيالاتِهم.