للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يصح أن ينتصب عن (أُخِذُوا)؛ لأنّ ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها. وقيل في (قَلِيلًا): هو منصوب على الحال أيضًا، ومعناه: لا يجاورونك إلا أقلاء أذلاء ملعونين. فإن قلت: ما موقع (لا يجاورونك)؟ قلت: (لا يجاورونك) عطف على (لنغرينك)؛ لأنه يجوز أن يجاب به القسم، ألا نرى إلى صحة قولك: لئن لم ينتهوا لا يجاورونك؟ فإن قلت: أما كان من حق (لا يجاورونك) أن يعطف بالفاء، وأن يقال: لنغرينك بهم فلا يجاورونك؟ قلت: لو جعل الثاني مسببًا عن الأوّل لكان الأمر كما قلت، ولكنه جعل جوابًا آخر للقسم معطوفًا على الأوّل، وإنما عطف بـ"ثم"؛ لأن الجلاء عن الأوطان كان أعظم عليهم وأعظم من جميع ما أصيبوا به، فتراخت حاله عن حال المعطوف عليه. (سُنَّةَ الله) في موضع مصدر مؤكد، أى: سن الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا حيثما ثقفوا. وعن مقاتل: يعنى: كما قتل أهل بدر وأسروا.

(يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ الله وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً)] ٦٣ [

كان المشركون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة؛ استعجالًا على سبيل الهزء، واليهود يسألونه امتحانا؛ لأن الله تعالى عمى وقتها في التوراة وفي كل كتاب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجيبهم بأنه علم قد استأثر الله به؛ لم يطلع عليه ملكًا ولا نبيًا، ثم بين لرسوله أنها قريبة الوقوع؛ تهديدا للمستعجلين، وإسكاتًا للممتحنين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (أما كانَ مِن حَقِّ {لَا يُجَاوِرُونَكَ} أن يُعطَفَ بالفاءِ)، لأنّ جَلاءَهم عن الأوطانِ كان مُسَبّبًا عن التحريشِ بهم وما يَضْطَرُّهم إلى طَلبِ الجلاء؟ وخُلاصةُ الجواب: أنّ ما عليه التلاوةُ أبلغ، ولاحتواءِ الفائدةِ أملأ، كأنّه قيل: لئن لم يَنْتهِ المنافقونَ ليحصُل لهم خَطْبانِ عَظيمان، لكنّ الثاني أعظَمُ عليهِم من الأول، لأنّ مُفارقةَ الوطنِ أعظَمُ المصائب، ألا ترى إلى بني إسرائيلَ كيفَ اختاروا القَتْلَ على الجَلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>