وجاهته عند الله؛ كقوله تعالى:(عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)] التكوير: ٢٠ [، وهذه ليست كذلك. فإن قلت: قوله: (مِمَّا قالُوا) معناه: من قولهم، أو: من مقولهم؛ لأنّ «ما» إما مصدرية أو موصولة، وأيهما كان؛ فكيف تصح البراءة منه؟ قلت: المراد بالقول أو المقول: مؤداه ومضمونه؛ وهو الأمر المعيب، ألا ترى أنهم سموا السبة بالقالة، والقالة بمعنى القول؟
(قَوْلًا سَدِيداً): قاصدا إلى الحق. والسداد: القصد إلى الحق، والقول بالعدل. يقال: سدّد السهم نحو الرميّة: إذا لم يعدل به عن سمتها، كما قالوا: سهم قاصد، والمراد: نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصٍد وعدٍل في القول،
قولُه:(فكيفَ تَصِحُّ البراءةُ منه)، يعني: لا يقال: بَراءةٌ من القولِ، بل من العَيْب والدِّين.
قولُه:(سَمّوا السُّبَّةَ بالقالة)، النهاية: في الحديثِ ((فشَت القالةُ بين الناس))، أي: كَثْرَةُ القولِ وإيقاعُ الخُصومةِ بين الناسِ بما يُحكى للبعضِ عن البعض.
وقلت: وليس بذاك، لأنه عنى بالنَّهْي خوْضَهم في حديثِ زينَب من غيرِ قَصْدٍ وعَدْلٍ في القول، والمنهيُّ في الآية السابقةِ كوْنُهم في أذى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِثْلَ كَوْنِ قومِ موسى عليه السلام في أذاهُ، بل عَطْفُ قوْلِه: و ((البَعْثُ)) على ((نَهْيْهِم)) مبنيٌّ على أن الأمرَ بالشيءِ نَهْيٌ عن ضِدّه، ولو أريدَ بهذا العطفِ ذلك المعنى لجاءَ قولُه:((وهذه الآيةُ مُقرِّرةٌ للتي قَبلَها))