للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبعث على أن يسد قولهم في كل باب؛ لأنّ حفظ اللسان وسداد القول رأس الخير كله. والمعنى: راقبوا الله في حفظ ألسنتكم، وتسديد قولكم؛ فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم الله ما هو غاية الطلبة؛ من: تقبل حسناتكم والإثابة عليها، ومن مغفرة سيئاتكم وتكفيرها. وقيل: إصلاح الأعمال: التوفيق في المجيء بها صالحة مرضية. وهذه الآية مقرّرة للتي قبلها، بنيت تلك على النهى عما يؤذى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهذه على الأمر باتقاء الله تعالى في حفظ اللسان؛ ليترادف عليهم النهى والأمر، مع اتباع النهى ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام، وإتباع الأمر الوعد البليغ؛ فيقوى الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه. لما قال: (وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ) وعلق بالطاعة الفوز العظيم؛ أتبعه قوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) وهو يريد بالأمانة الطاعة؛ فعظم أمرها وفخم شأنها، وفيه وجهان: أحدهما: أنّ هذه الأجرام العظام من السماوات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله عز وعلا انقياد مثلها، وهو ما يتأتى من الجمادات، وأطاعت له الطاعة التي تصح منها وتليق بها؛ حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته إيجادًا وتكوينًا وتسويةً على هيئاٍت مختلفةٍ وأشكاٍل متنوعة، كما قال: (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)] فصلت: ١١ [، وأما الإنسان فلم تكن حاله فيما يصح منه من الطاعات ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه، وهو حيوان عاقل صالح للتكليف مثل حال تلك الجمادات فيما يصح منها ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع. والمراد بالأمانة: الطاعة؛ لأنها لازمة الوجود، كما أن الأمانة لازمة الأداء. وعرضها على الجمادات وإباؤها وإشفاقها: مجاز. وأما حمل الأمانة: فمن قولك: فلان حامل للأمانة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلى آخرهِ مُكَرّرًا مُسْتَدْرَكًا مع إتباعِ النهيِ ما يتضمَّنُ الوعيدَ من قصةِ موسى عليه السلام، وإتباعِ الأمرِ الوعْدَ. والأولُ على سبيلِ التشبيهِ ليُتصوَّرَ التهديدُ من قولِه: {وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} مِن أنّ الملِكَ لابُدَّ مِن أن ينتَقِم ممَّن يُريدُ نقيصةَ مَنْ له عندَه قُربةٌ ووَجاهةٌ فيُجْتَنبُ عن مِثْلِه، والثاني على سبيل الاشتقاقِ والتعليلِ فيقوى داعيةُ المأمورِ في الامتثالِ بالمأمورِ به، هذا أحسَنُ من قَوله: ((فيقَوى الصارفُ عن الأذى والداعي إلى تركِه))، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>