ومحتمل لها؛ تريد أنه لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمّته ويخرج عن عهدتها؛ لأن الأمانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها وهو حاملها، ألا تراهم يقولون: ركبته الديون، ولى عليه حق، فإذا أداها لم تبق راكبةً له ولا هو حاملًا لها. ونحوه قولهم: لا يملك مولى لمولى نصرًا. يريدون: أنه يبذل النصرة له ويسامحه بها، ولا يمسكها كما يمسكها الخاذل، منه قول القائل:
أخوك الّذى لا تملك الحسّ نفسه … وترفضّ عند المحفظات الكتائف
أى: لا يمسك الرقة والعطف إمساك المالك الضنين ما في يده؛ بل يبذل ذلك ويسمح به. ومنه قولهم ابغض حق أخيك؛ لأنه إذا أحبه لم يخرجه إلى أخيه ولم يؤده، وإذا أبغضه أخرجه وأدّاه، فمعنى (فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان): فأبين إلا أن يؤدينها، وأبى الإنسان إلا أن يكون محتملًا لها لا يؤديها. ثم وصفه بالظلم؛ لكونه تاركا لأداء الأمانة، وبالجهل؛ لإخطائه ما يسعده مع تمكنه منه؛ وهو أداؤها. والثاني: أن ما كلفه الإنسان ........
قولُه:(قولُ القائل- وهو القُطاميُّ-: أخوكَ) البيت، الحِسُّ: مصدَرُ قَوْلِك: حَسَّ له، أي: رَفَق له. والارفضاضُ: تَرْشيحُ الدمعِ، وكلُّ مُتَفرِّقٍ ذاهبٍ: مُرفَضّ. الكتيفة: الحِقْد، والمُحْفِظات: المُغْضِبات.
يقول: أخوكَ هو الذي إنْ أصابَك مِن أحدٍ ما يَسؤوك يغضَبُ لك ويَرِقُّ لأجْلِك ويذهَبُ حِقْدُه، ولا يُمْسِكُ الرِّقَة والعَطْفَ، بل يَبْذلُ ذلك ويَسْمح به.
قولُه:(والثاني: أنّ ما كُلِّفه الإنسان)، اعلَمْ أنّ الفرْقَ بين الوجهَيْن هو: أنّ التمثيلَ على الأولِ واقعٌ في هذه الأجرام العِظام؛ شُبِّهَتْ حالةُ انقيادِها وأنَّها لا تَمْتنعُ عن مشيئةِ الله وإرادتِه إيجادًا وتكوينًا وتسويةً بهيئاتٍ مُختلفةٍ بحالِ مأمورٍ مُطيعٍ منقادٍ لا يتوقَّفُ عن الامتثالِ إذا توجَّه إليه أمرُ آمرِه المطاعِ كالأنبياءِ وأفرادِ المؤمنين كقولِه: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا