للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فُصّلت: ١١]، وهذا معنى قولِه تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: ٨٢]، فعلى هذا التأويلِ: معنى {فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} أنّها بَعْدَ ما انقادَت وأطاعَتْ ثَبتَتْ عليها وأدَّتْ ما التزَمتها من الأمانةِ وخرجَتْ عن عُهدتِها، سوى الإنسانِ، فإنه ما وَفّى بذلك وخاسَ به، {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.

وعلى الثاني: بعكسِ الأول؛ فإنه شَبَّه حالةَ الإنسانِ وهي ما كُلِّفَه من الطاعةِ بحالةٍ مفروضةٍ لو عُرِضَتْ على السماواتِ والأرضِ والجبالِ لأبَتْ حَمْلَها وأشفَقتْ مِنها لعِظَمه وثِقَل مَحْمَلِه، وحَمَله الإنسانُ على ضَعْفه وَرِخاوةِ قُوَّته، إنه ظَلومٌ على نفسِه جاهلٌ بأحوالِها حيثُ قَبِلَ ما لم يُطْقْ عليه هذه الأجرامُ العِظام.

وعلى هذا: قولُه: {وَحَمَلَهَا} مُجرًى على حقيقتِه. والمرادُ بالأمانةِ: التكليفُ ومرجِعُه الطاعة، لأنّ المُكلِّفَ ما يريدُ مِنْ تَكليفِه على المُكلَّفِ إلا إظهارَ طاعتِه، فلذلك صَرَّحَ في الأولِ بقوله: ((والمرادُ بالأمانةِ الطاعةُ لأنّها لازمةُ الوجودِ)) بَعْدَ ما فَرَّعَ الوجهَيْن عليها حيثُ قال: ((وهو يريدُ بالأمانةِ الطاعَة))، وفيه وَجْهان، والوجْهُ الأول مِن قولِ الزجاج قال: وحَقيقةُ هذه الآية: أعلَمَنا الله تعالى أنه ائتمنَ بني آدمَ على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمنَ السماواتِ والأرضَ والجبالَ على طاعتِه والخضوعِ له، فأمّا السمواتُ والأرضُ والجبالُ فإنَّهُنَّ أطَعْنَ الله بقوله: {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١] ولم تحتمل الأمانة، أي: أدَّتْها، وكلُّ مَنْ خانَ الأمانةَ فقد احتمَلَها، وكذلك كلُّ مَنْ أثِمَ فقد احتمَلَ الإثْم، وأداؤها طاعةُ الله فيما أمرَ به.

قال الحسن: الكافرُ والمُنافق حملا الأمانَة، أي: خانا ولم يُطيعا. قال الزجاج: ومَنْ أطاعَ من الأنبياءِ والصدِّيقين والمؤمنينَ فلا يُقال: كان ظلومًا، وتصديقُ ذلك ما يتلوهُ من قوله: {لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ} الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>