للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما أورَد في ((الأنعام)) عند قوله: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣] عن أبي جَهْل: والله إنّ محمدًا لصادق وما كذَب قَطّ ولكن إذا ذهبَ بنو قُصَيٍّ باللواءِ، إلى آخره، وفي ((حم)) عند قوله: {أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: ١٣] عن عُتبةَ بنِ رَبيعة: وقد عَلِمْتُم أنّ محمّدًا إذا قالَ شيئًا لم يكذِبْ قط، إلى غير ذلك، فأتى أوّلاً بالنصِّ القاطعِ المؤيَّدِ بالقَسَمِ المُقترنِ بالوصفِ المُناسبِ، وعَقَّبه بالبُرهانِ الساطعِ ليكونَ تقريرًا بعْدَ تقرير. وإنك أمعَنْتَ النظرَ وجَدْتَ جُلَّ الإقسامِ التنزيلي غيْرَ مُقْترنٍ بشَيءٍ من الحجَّةِ فكانَ ذِكْرُ الحُجَّةِ هاهنا كالتتميمِ للنصِّ والمتفرعِ عليه لا الأصل، وإنما اقتضى هذا التوكيدَ- وهو إتيانُ {بَلَى} وإعادةُ قَوْلِه {لَتَاتِيَنَّكُمْ} ثم الإقسامُ عليه، ثم إتباعُه بالوَصْفِ المُناسبِ ثم انضمامِ البُرهان مع ذلك- أنه تعالى هذه السورةَ الكريمةَ بذِكْرِ الحَمْدَيْنِ الجامْعَيْن لأمرِ الدارَيْن، فأوجبَ التكليفَ لعِلّةِ كَوْنِه مالكًا لِما في السماواتِ وما في الأرض، ورَتَّبَ عليه الحمْدَ في الآخرةِ على نِعْمةِ الثواب، فآذَنَ بأنَّ القَصْدَ في خَلْقِ السماواتِ والأرضِ ليس إلا المعرفةُ والعبادة، ثم جَزاءُ المحسن العارف العابد وعقابُ المُسيء المعاندِ كقولهِ تعالى: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: ١٩١]، ولهذا استُبْعدَ استبعادَ مَنْ يكفُرُ بذلك حيث عطف {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَاتِينَا السَّاعَةُ} على ما قَبْلَه، كقولِه تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: ١]، فاقتضى المقامُ لذلك أن يُؤكّدَ الكلامُ بكُلِّ ما أمكَنَ من المُؤكِّدات، فجيءَ أولاً ب {بَلَى} تقريرًا، ثمَّ أعيدَ ما أنكروه تمهيدًا ثم أقسمَ عليه باسْمهِ ووُصِفَ بما يُناسبُ الجوابَ تنصيصا، ثم ختَم كلَّ ذلك بالبُرهانِ تتميمًا وإيذانًا بقُصورِ فَهْمِهم عن إدراكِ النصِّ القاطع، وينصُرُه قولُ الإمام:

وعندي أن الدليلَ المذكورَ في قولِه: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} أظهرَ، وذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>