البينة الساطعة، وهي قوله:(لِيَجْزِيَ)، فقد وضع الله في العقول، وركب في الغرائز وجوب الجزاء، وأن المحسن لا بدّ له من ثواب، والمسيء لا بد له من عقاب. وقوله:(لِيَجْزِيَ) متصل بقوله: (لَتَاتِيَنَّكُمْ تعليلًا له. قرئ: (لتأتينكم) بالتاء والياء. ووجه من قرأ بالياء: أن يكون ضميره للساعة بمعنى اليوم. أو يسند إلى (عالم الغيب)، أى: ليأتينكم أمره، كما قال تعالى:(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَاتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَاتِيَ رَبُّكَ)] الأنعام: ١٥٨ [وقال: (أوْ يَاتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ)] النحل: ٣٣ [. وقرئ:(عالم الغيب)، و (علام الغيب): بالجر، صفة لـ"ربي". و (عالم الغيب)، و (عالم الغيوب):
أنّه إذا كان عالمًا بجميع الأشياء يعلم أجزاء الأجسامِ ويقدرُ على جمعها فالساعة ممكنة القيام، والصادق قد أخبر عنه فتكون واقعة، والله أعلم.
قولُه:({لَتَاتِيَنَّكُمْ} بالتاءِ والياء)، بالتاءِ الفوقانية: العامة، وبالياء: شاذّة. قال ابن جنّي: روى هارونُ عن طُلَيْق قال: سمعتُ أشياخَنا يقرؤون: ((ليأتينكم)) بالياء. وجازَ التذكيرُ بعد قوله:{لَا تَاتِينَا السَّاعَةُ} لأنّ المخوفَ منها إنما هو عقابُها والمأمولُ ثوابُها، فغُلِّبَ التذكيرُ الذي هو مَرْجُوٌّ ومَخوفٌ فذَكَّر، فإذا جازَ تأنيثُ المُذكَّرِ بالتأويلِ كانَ تذكيرُ المؤنَّثِ لغَلَبةِ التذكيرِ أحرى. قال تعالى:{يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ}[يوسف: ١٠] لأن بعضَها سَيَّارة أيضًا، وقالوا: ذهبَتْ أصابِعه لأنّ بعْضَها أُصْبَعٌ في المعنى.
قوله:(وقُرئَ: {عَالِمِ الْغَيْبِ})، حمزةُ والكِسائيُّ:((عَلاَّمِ الغيبِ)) بالألفِ بعد اللامِ، وخَفْضِ الميمِ على وَزِنِ فَعّال. والباقونَ:((عالم)) بالألفِ بعد العَيْنِ على وزنِ ((فاعلٍ))، ورَفَعَ الميمَ نافع وابن عامر، وخَفَضَها الباقون.